تنزيل الدراسات الاجتماعية في العراق: منظورات في حقوق الانسان والسلام والعنف متخصص في علم الاجتماع منذ عام 2003 ، تطورت الدراسات العراقية كحقل علمي خارج العراق، حيث
غالبية من ينتج هذا المحتوى المعرفي هم من غير العراقيين، معظمهم من المختصين
في العلوم السياسة ومن يطلق عليهم تسمية الخبراء العاملين لدى الحكومات ومراكز
البحوث والمنظمات غير الحكومية. ينشغل هذا النوع من الإنتاج المعرفي بشكل رئيسي
بشؤون تغيير الأنظمة والطائفية والإسلام السياسي. وهي معرفة ليست بالنوعية، تلقي
ناظريها إلى العراق من الخارج دون إدراك كافي لدينامياته الداخلية وتعقيده وتنوع
مجتمعه. وإلى جانب ذلك، ففي سياق إنتاج المعرفة الأكاديمية العالمية حيث أنماط
التنظير الأساسية هي تلك التي تتشكل في الشمال العالمي تصبح المعرفة المنتجة من
قبل العراقيين مغيّبة بالكامل. وإن أراد الباحثون في العراق تثبيت وجودهم في مجال
التنظير العالمي، فهم ملزمون بمواكبة العمل الذي ينتجه الباحثون الغربيون ومطالبون
بالانخراط في نقاشات نظرية تُصاغ في سياقات لا تَمُت بصٍلة لواقع حياتهم اليومية.
انعكست آثار عقود طويلة من الحروب والعقوبات على نظام التعليم العالي في
العراق بشكل راسخ وأثرت على تطوير المعرفة العلمية بشكل نقدي وفعال. ومن
هنا يصر الباحثون والناشطون العراقيون المجتمعون في هذا الكتاب على أهمية
تطوير العلوم الاجتماعية في العراق وإنتاج معرفة نقدية ونوعية تستند الى فهم عميق
لحياة العراقيين اليومية وتعقيدات مجتمعاتهم. ولد هذا الكتاب من صلب مبادرة قام
بها باحثون وباحثات ونشطاء لتطوير أجندة بحثية أكاديمية عراقية في مجال العلوم
الاجتماعية، وهي أجندة تهدف إلى إنتاج معرفي هادف يستفيد منه العراقيون، وفي
سبيل دعم التفكير النقدي والعدالة الاجتماعية والسلام.
يقدم الكتاب 13 ورقة بحثية تمت مناقشة معظمها خلال ورشة عمل تحت عنوان
«منهاج التغير الاجتماعي: آفاق التفكير النقدي بين النظرية والتطبيق » نظمتها جمعية
الأمل العراقية والتي كان لي شرف الإشراف عليها مع دكتورة ألهام مكي حمادي.
تعتمد جميع الأوراق على أبحاث اصلية فريدة من نوعها أجراها باحثون عراقيون،
مشتبكين بعمق مع الوقائع والسياقات الاجتماعية التي يدرسونها. تقدم الأوراق
عدسة للتحليل معتمدةً على أساليب البحث النوعي والمعرفة المتعمقة في مجالاتها
وسياقاتها الاجتماعية. المواضيع المختارة ووجهات النظر المعتمدة ليست عشوائية
ولم تبنى على أسئلة صيغت بعيدًا عن ما يحدث يوميا في العراق المعاصر. بل على
العكس من ذلك، فإن تموقع الباحثين والناشطين إن كان من خلال مجاورتهم
الوقائع اليومية في سياقاتها الاجتماعية والإقليمية أو قربهم من موضوع البحث
يتيح المجال لفهم متعمق وضروري للديناميات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
في البلد. تغطي الأوراق مناطق مختلفة من العراق تشمل بغداد وكردستان العراق
وبلدات وقرى في الأجزاء الغربية والجنوبية من البلاد، وتشمل ايضا سياقات
اجتماعية مختلفة من مخيمات اللاجئين إلى المدارس والمكاتب، ومن المناطق
الحضرية إلى المناطق الريفية.
ويطرح الباحثون أسئلة هامة ويستقصونها بعناية دؤوبة. يشتركون في قيامهم بعمل
ميداني شامل وتمعنهم في المنحى الأخلاقي للعمل البحثي، وعزمهم الثابت على
التغيير والعدالة الاجتماعية. يرتبط إنتاج المعرفة بالالتزام بالتفكير النقدي وتوطيد
السلام وطرح الحلول والبدائل للتحديات التي يواجهها العراقيون اليوم. تختتم
الأوراق بتوصيات واقتراحات ملموسة مبنية على أسس معرفية ثابتة وتأملات حول
ما يجب القيام به على الصعيدين المحلي والعالمي. من بين الموضوعات المشتركة
يحتل العنف بجميع أبعاده موقعا مركزيا في هذه الأوراق. بل إن ما تكشف عنه هذه
الدراسة التفصيلية والإثنوغرافية المعمقة لوجوه العنف وأشكاله المختلفة هو طريق
واضح نحو بناء السلام. فلا يمكننا الوصول الى فهم حقيقي للسلام إلا من خلال
تحقيق وفهم جوهريين لما يعنيه العنف وللطرق التي يتم من خلالها التعرض إليه يوميًا
وعلى مستويات مختلفة. لا بد من ربط العنف المسلح بالأبعاد البنيوية والبنية التحتية
والسياسية التي بمجملها تشكل الحياة اليومية للعراقيين. ترسم هذه الأبحاث العلاقة
بين المناحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتوضح التحديات اليومية التي
يواجهها الناس في الشوارع وفي المدارس وفي أماكن العمل إن كان على المستوى
الوطني والإقليمي.
الدراسات الاجتماعية في العراق: منظورات في حقوق الانسان والسلام والعنف رابط مباشر PDF