تنزيل الفن القاشاني في ليبيا في جوامع مدينة طرابلس القديمة في العهد القرمانلي استاذ مساعد دكتور فلسفة فنون تشكيليةالفن الإسلامي نتاج يستلهم الصور الجمالية التي في القرآن الكريم ويعبر عنها بصور تشكيلية ، وبما أن القرآن رسالة حملها العرب من الجزيرة العربية إلى كل البشرية في جميع أنحاء العالم ، فامتدت رقعة العالم الإسلامي على مساحة كبيرة من بحر الصين شرقاً إلى المحيط الأطلنطي غرباً، فقد صُبغ الفن الإسلامي بالتنّوع الهائل والرائع. وهذا التنّوع والتطورّ هما من أهم سمات الفن الإسلامي غير أن هناك خصائصاً معينة لكل قطر في هذا العالم الواسع . فقد تأثر العرب بالآخر وأثروا فيه ليخلقوا بصمتهم وإسهاماتهم في البناء الحضاري العالمي، في كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والعلمية والفنون بتنوعها. وسيكون لنا في الدراسة المقدم وقفة مع هذه المناحي، خاصة وإنها خلقت أو صنعت الهوية العربية الإسلامية في ليبيا. والمعروف أن ليبيا من البلدان التي شملها الفتح الإسلامي في وقت مبكر من نشأة الدعوة الإسلامية ، ونظراً لموقعها الجغرافي ، كحلقة وصل بين أفريقيا والبحر المتوسط ، أصبحت من جراء ذلك مسرحا مهما في السياسة العالمية ، وعليه تتجلى أهمية دراسة دور العنصر المحلي في صناعة الناتج الثقافي جراء الاستقرار السياسي والاقتصادي النسبي وما أبدعه الفنان في الفترة القرمانلية . فالمسجد الليبي قبل دخول الأتراك كان قائماً على بناء مربع ومسقف وذا طراز خاص وكما يؤكد ذلك غاسبري ميسانا بقوله: إن المسجد الليبي كان عبارة عن عمارة مربعة الشكل و مسقفة بقبيبات عديدة موزعة على عدة صفوف ، أما ّ في الباطن فيبدو كشكل هندسي عبارة عن عناصر حجمية متساوية ومتناسبة مع قامة الإنسان ، فيضفي ذلك على المسجد الليبي جواً ومعنى خاص . والمتتبع للعمارة سيجد أن أسلوب القبيبات هي المدرسة المعمارية المعتمدة في بناء الجوامع والمساجد في ليبيا في الفترة العثمانية ، وباعتبار ليبيا ولاية عثمانية نستغرب عدم وجود جامع ذي قبة مركزية خاصة في إطرابلس كما كان يطلق عليها او طرابلس كما يطلق عليها الان، ولكن يوجد في بنغازي احد اهم مدن ليبيا جامعان وواحد في مدينة الخمس مع اختلافات، ونقصد هنا بالجوامع ذات القبة المركزية هي الجوامع التي تشبه الجوامع السلطانية ، لأنه يوجد بعض الجوامع ذات الفراغ الداخلي الموحد و التي جاءت بعد تطور الخبرات و المهارات البنائية ومن أمثلة هذه المحاولات المعمارية ما نراه في الجامع الملحق بزاوية عمورة بمدينة جنزور، وجامع الميلادي وجامع ميزران وجامع رشيد بمدينة درنة وجامع الباشا بمدينة الخمس وجامع سيدي المرغني في منطقة الحشان بطرابلس ، وكل هذه النماذج محاولات للحصول على الفراغ المركزي الموحد في بيت الصلاة ، بحيث يكون كل المصليين ضمن فراغ داخلي موحد. وظل هذا التطور يواكب مسيرة العمارة العثمانية إلى أواخر القرن التاسع عشر ، و يتجلى ذلك في المساجد ذات التخطيط المركزي، التي شيدت في مدينة بنغازي، والتي تشبه في تخطيطها الجوامع السلطانية في إسطنبول. أما بخصوص الزخرفة فنرى الأثر التركي واضحاً من خلال عناصر الزخرفة أو أسلوبها أو موادها. خاصة إذا علمنا أنه قبل دخول الأتراك كانت المساجد بسيطة و خالية من تلك النماذج الزخرفية. فالغنى الزخرفي والتنّوع لمجالات الفن الإسلامي داخل الجامعين هو احد أهم اهتمامات الكتاب من حيث إن الجامعين يعكسان الفن الإسلامي والهوية الإسلامية كما والعربية ، والذي كان له صدى في كتابات الرحالة العرب والأجانب والتي رصدها التليسي بقوله إن الرحالة الفيس ميلانوفيتش في 1765 يتحدث في تقرير له عن طرابلس ، في وصفها عام 1765 بخصوص مساجدها فيقول : إن مساجد طرابلس ذات هندسة بسيطة ، ومجردة من الزخارف ، فيما عدا مسجد الباشا الذي زينت جدرانه الخارجية و الداخلية بالقاشاني و بثلاث قباب جميلة جداً. ويقصد بمسجد الباشا ، مسجد أحمد باشا القرمانلي .كما يذكر التليسي أن المس توللي تذكر في كتابها المعروف ( عشر سنوات في بلاط طرابلس ) ، والذي يعتبر من أهم المصادر عن العهد القرمانلي ، ويصف هذا المصدر جامع أحمد باشا القرمانلي ،و أحد الأروقة الثلاثة المحيطة ببيت الصلاة من الخارج ، والموظف لدفن موتى العائلة الحاكمة ، التي تصفه مس توللي أنه غاية في الجمال ،كما تصف احد مداخل الجامع ، وجمالية النقوش الخشبية . أما المهندس غاسبري ميسانا فيقول في جامع أحمد باشا : إن من الغنى الزخرفي في الحشوات التي يزدان بها السقف الخشبي في الطابق العلوي للجامع، والذي شمل رسوماً مختلفة فيما بينها لدرجة يستحيل معها أن يحصي العقل البشري عددها اللامتناهي ، وعن جامع مصطفى قورجي يقول :إنه في هذا الجامع تشابه كبير مع جامع القرمانلي . ولنرجع إلى التليسي برصده للرحالة ومقولاتهم فيذكر لنا الرحالة الإيطالي تومياتي وهو صحفي وسياسي ، الذي يبدي إعجابه بجامع قورجي، ويوضح أن العمل به قد استغرق أربعة عشر عاما ، على يد بناء جزائري . وأود أن أشير إلى ان الكتاب هو رسالة ماجستير تم مناقشتها وحصولها على الامتياز، فضلا عن الصور كافة لجامعي أحمد باشا و مصطفى قورجي التي تضمنها هذا الكتاب قد تم تصويرها من قبل المؤلفة ، باستثناء صور قليلة جدا مستقاة من مصادر عديدة تم الاشارة إليها.
الفن القاشاني في ليبيا في جوامع مدينة طرابلس القديمة في العهد القرمانلي رابط مباشر PDF