تنزيل النظم القرآني وأثره في أحكام التشريع أستاذ التعليم العالي في أصول الفقه والفقه والمقارن
مدير معهد العلوم القانونية والإدارية سابقا، ورئيس تحرير مجلة البحوث والدراسات سابقا
مدير معهد العلوم الإسلامية، ومدير مخبر الدراسات الفقهية والقضائية بجامعة الوادي – الجزائر
إذا كان للكون سنن تحكمه، وقوانين تضبطه، يمثل المنهج العلمي الضابط لها، والكاشف عن أوجه علاقاتها ـ وبدون ذلك لا يفهم الكون ـ فإن للقرآن العظيم سننا، تربط بين آياته وكلماته وسوره، ينبغي فهمها تحليلا، وفي إطار بنائيته الكلية لا تجزئة، بالتفاعل العميق الدائم مع القرآن وبذلك نقف على المنهجية المعرفية القرآنية، التي تسهم في فتح طريق التجديد والوسطية، ونشر الهدى ودين الحق .
وهكذا كان للقرآن الكريم منهجان محكمان، قام أحدهما على التنجيم النزولي وفق توارد الأحداث والوقائع مدة ثلاث وعشرين سنة، والآخر اعتمد خطة تفصيلية شاملة، رسمت فيها مواقع النجوم القرآنية على أدق الحدود والتفاصيل، وأبرمت بآكد العزم والتصميم؛ حتى أخذ القرآن الكريم نظمه البديع في كلماته وآياته وسوره .
وقد نال المنهج الأول ( النزولي ) من الدراسة والبحث، الشيء الكثير قديما وحديثا، وكتبت فيه الصفحات الطوال، سواء من جهة أسباب النزول رواية، أم من جهة دور تلك الأسباب في بيان المراد من النص القرآني وزيادة الإيضاح، ودفع الاشتباه، وإبراز منهج الدعوة القرآني الذي تمثله رسول الله  من خلال القرآن، تتبعا للأحداث التاريخية، وما تحويه من دروس وعبر.
أما المنهج الثاني الذي استقر عليه أمر القرآن، وانتظمت من خلاله وحداته، فقد كان حظه من الدرس والبحث أقل من سابقه، وما كتب فيه أصالة أقل من القليل، فما زالت مباحثه مبثوثة متناثرة، في كتب التفسير، أو بالأحرى في موسوعات التفسير وعلوم القرآن .
وقد رأيت أن إهمال هذا الجانب من النظر فوّت خيرا كثيرا، وحكما جليلة يحسن الوقوف عندها والإفادة منها، كما أوقع إغفال هذا الأمر الكثيرين في سوء الفهم، أو التفسير، أو الاستدلال، عند تعاملهم مع القرآن الكريم، فأقبلوا على النصوص القرآنية فرقا، كل يأخذ بما يناسب ما قرره سلفا فتجد الواحد يقرر فكرة من بنيات ذهنه، ثم يذهب ليجد لها مستندا قرآنيا تتكئ عليه، ولو باعتساف النصوص، وبترها من سوابقها ولواحقها النظمية، وجرها إلى معان مدعاة، أبعد ما تكون عن مقاصد القرآن وهدايته !.
والأصل أن ينطلق المسلم من القرآن، ويديم النظر فيه، قراءة متدبرة ويعيدها كرة أخرى ليصل إلى الحقيقة القرآنية، وفق قواعد النظر وأدوات التفسير، فيحفظ للقرآن حرمته، ويبرأ لدينه وعرضه، ويصل إلى المقصد الصحيح؛ ليتمثل هدايته، ويرشد سالكيه .
وبذلك تتجلى أهمية هذا الموضوع الذي أردت الإسهام في بيان بعض ملامحه، وإبراز أهم جوانب هذا المنهج القرآني، التي يجدر الوقوف عندها والانتفاع بها، وتحرير القول في بعض المسائل التي تعددت فيها الآراء، وكثرت الاستدلالات . وعرض نماذج مختلفة تبرز جملة من الاختلالات في التعامل مع القرآن الكريم وما يترتب عنها من أحكام . وعنونته بـ : « النظم القرآني وأثره في أحكام التشريع » .
وحاولت ـ قدر الإمكان ـ توضيح دواعي اختياري هذا الموضوع ومبررات دراسته، زيادة على ما ذكرته آنفا من أهميته وضرورته، فوجدتها لا تخرج إجمالا عن النقاط التالية :
1 ـ إن البحث في القرآن الكريم، يعد في حد ذاته هدفا يسعى إليه، وغرضا تتسابق الهمم في تحصيله، إذ يكتسب البحث أهميته من شرف موضوعه، وهو كتاب الله الخالد .
2 ـ جمع ما تناثر، وبعض ما تفرق حول هذا الموضوع وبعض النوادر حوله، مما ذهب أشتاتا في المصنفات المختلفة .
3 ـ الإسهام ـ قدر المستطاع ـ في إبراز أهم جوانب هذا المنهج القرآني التي يجدر الوقوف عندها، والانتفاع بها .
4 ـ تحرير القول في بعض المسائل المتعلقة بالموضوع، والتي تعددت فيها الآراء، وكثرت الاستدلالات .
5 ـ الدعوة إلى ضرورة اعتماد النظرة الكلية الشاملة، في التعامل مع النص القرآني، وذلك من خلال عرض نماذج لاختلالات في الفهم، أو التفسير، أو الاستدلال، أهملت هذه النظرة، وقطعت اللاحق عن السابق.
6 ـ بيان أبرز آثار النظم القرآني من جهة الأحكام، وما يترتب على المكلف عند تعامله مع النص القرآني .
وطبيعة موضوع كهذا تتطلب سعة في المراجع المتنوعة، في التفسير، وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، وقد حاولت ـ جهدي ـ أن أقف على أبرز المصنفات التي تناولت هذا الموضوع، فوجدت أجمعها ما كتبه الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي (ت885هـ) في تفسيره : « نظم الدرر في تناسب الآيات والسور »، وما كتبه الإمام أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغـرناطي (ت708هـ)، في كتابه : « البرهان في ترتيب سور القرآن »، ويليه الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911 هـ) في رسالته : « تناسق الدرر في تناسب السور »، ومن الكتب المعاصرة : « النبأ العظيم : نظرات جديدة في القرآن » للدكتور محمد عبد الله دراز (ت1377هـ)، و« الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره » للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم، وغيرها من المراجع المثبتة في آخر هذا البحث، وينبغي الإشارة إلى رسالة صغيرة للأستاذ الصادق سالم أحمد الخازمي، بعنوان : « النظم القرآني وأثره في الأحكام »، تناول فيها هذا الموضوع، بطريقة جد موجزة، مركزا على الجانب البياني . ولحدِّ الساعة، لا أعلم كتاباً تناول هذا الموضوع بالطريقة التي اعتمدتها في تحرير مباحثه .
ومنهج الدراسة أراه يجمع بين الوصف والتحليل، مع إجراء بعض الدراسات المقارنة، كلما كان ذلك مناسبا، وقد قمت بعزو الآيات القرآنية على سورها بعد إدراجها وفقا للرسم، وتخريج الأحاديث النبوية والآثار، وعزوت الأقوال والنقول، إلى أماكنها في مصادرها الأصلية، بعد الرجوع إليها والتأكد منها كلما أمكن ذلك، كما ترجمتُ بإيجاز شديد في الهامش للأعلام الذين ورد ذكرهم في صلب البحث.
وقد حرصت على حصر المذاهب في القضايا المختلف فيها، الواردة في البحث، مع بيان مستند كل مذهب، ومناقشة مختلف الآراء، ثم ترجيح الأقوى منها، مع بيان الأسباب التي أدت إلى هذا الترجيح والاختيار . كما حرصت على وفرة الأمثلة والنماذج التي توضح الفكرة وتدعمها .
وقد اشتملت صفحات هذا البحث على تمهيد وفصلين؛ ضم كل واحد منهما : مباحث ومطالب، وأتبعت ذلك بخاتمة، عرضت فيها أهم نتائج الموضوع . كما ذيلت البحث بمفاتيحه من الفهارس المناسبة .
ورتبت ذلك كله ومشتملا ته، على النحو الآتي :
تمهيد
أولا : تعريف القرآن الكريم
ثانيا : كيفية نزول القرآن الكريم .
ثالثا : جمع القرآن الكريم و تدوينه .
رابعا : عناية المسلمين بالدراسات القرآنية .
الفصل الأول
النظم القرآني : أقسامه، مصدره، والمناسبة فيه .
المبحث الأول : مفهوم النظم القرآني وبيان أقسامه .
المطلب الأول : مفهوم النظم القرآني
المطلب الثاني : أقسام النظم القرآني
المبحث الثاني : مصدر النظم القرآني
المطلب الأول : مصدر نظم آيات السورة القرآنية
المطلب الثاني : مصدر نظم سور القرآن الكريم
المبحث الثالث : المناسبة في النظم القرآني
المطلب الأول : مفهوم المناسبة وموقف العلماء منها
المطلب الثاني : أنواع المناسبات في النظم القرآني
الفرع الثالث : المناسبات في نظم سور القرآن الكريم
الفصل الثاني
أثر النظم القرآني في أحكام التشريع
المبحث الأول : طريقة النظم القرآني في عرض الأحكام
المطلب الأول : توزيع الأحكام في النظم القرآني
المطلب الثاني : التعدد الموضعي في الحكم القرآني
المطلب الثالث : التكرار في أحكام القرآن
المبحث الثاني : أهمية مراعاة النظم في التعامل مع أحكام القرآن
المطلب الأول : ضرورة مراعاة النظم في فهم نصوص القرآن
المطلب الثاني : فهم النص القرآني بين سبب النزول ومقتضيات النظم
المطلب الثالث : أثر عدم مراعاة النظم في الفهم والتفسير والاستدلال
المبحث الثالث : الالتزام بالنظم بالقرآني في التلاوة والتفسير
المطلب الأول : التزام النظم القرآني في التلاوة
المطلب الثاني : التزام النظم القرآني في التفسير
الخاتمة
الفهارس
فهرس الآيات القرآنية الكريمة
فهرس الأحاديث النبوية والآثار
فهرس الأعلام المترجم لهم
قائمة المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
وأخيرا لا أزعم أنني وفيت بالمراد، ولا أتيت بما لم أسبق إليه، ولكني اجتهدت على قدر طاقتي، ولم أدخر جهدا في التزام أصوب القول وأحكمه فإن حالفني الصواب ؛ فبفضل من الله تعالى ومنة، وإن كان غيره ؛ فحسبي صدق نيتي، وأرجو من الله سبحانه المغفرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

النظم القرآني وأثره في أحكام التشريع رابط مباشر PDF

رابط التحميل