تنزيل تأملات مُسلم فى إنجيل مَتَّى الجزء الثانى كاتب مصرى خريج كلية اللغات والترجمة – قسم الأدب الإنجليزى – جامعة الأزهر، وحاصل على دبلومة الترﺟﻤﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ والأﻣم المتحدة – الجامعة الأمريكية. لى أكثر من عشرين كتابا فى مقارنة الأديان وفى الإسلام، ولى رواية بعنوان “عيون فوزية”، وأخرى بعنوان “ناس من بلدنا”، وكتاب للقصص القصيرة ومسرحيات الفصل الواحد بعنوان “حكايات من الزمن الجميل. يقول الله فى القرآن الكريم:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} . لقد بينت هذه الآية واحدا من أهم أعمدة أو أركان الإسلام، وهو أن القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب، لا تمت بصلة إلى دعاوى وأمنيات هذا الإنسان مطلقا، بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإنسان وإيمانه وأن هذا مبدأ ثابت، وسنة غير قابلة للتغيير، وقانون تتساوى الأمم جميعها أمامه، ولذلك تقول الآية في بدايتها{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}، وتستطرد فتقول{من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا}، وفى الآية التى تليها يقول الله:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” .
يعترض العلمانيون على الإيمان بالله كشرط من الله لدخول الجنة، واعتراضهم هذا مرفوض، لأن الله يعطيهم أجر أعمالهم الصالحة فى الدنيا، ولكنهم لم يعملوا قط لهذه الجنة، بل لا يؤمنون بها أصلا كى يدخلوها. هذا الذى اشترطه الله فى القرآن، اشترطه المسيح كما دون متى فى إنجيله، يقول:” قَالَ لَهُ يَسُوعُ:”إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتبعنى” . المسيح فى العدد السابق ربط بين عمل الصالحات والإيمان، فلا يكفى لمن ينشد الكمال عمل الصالحات وحدها، بل لابد من الإيمان والعمل بالوصايا.
يعمد القرآن إلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة، معتبرا الاعتبارات والارتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إذا قيست برسالة دينية، ويعتبر الإيمان بمباديء الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس. هنا إشارة إلى كل من فكرة اليهود بأنهم”شعب الله المختار”، وبالتالى يؤكدون استحقاقهم لنعمة الله فى الآخرة، وعقيدة المسيحيين فى”التكفير بالإنابة”، التى تبشر بخلاص كل من يؤمنون بيسوع على أنه”ابن الله” الفادى. على الإنسان أن يعمل بما يؤمن به، فإن الجزاء إنما يكون على قدر العمل لا على التمني والغرور، فإن الأديان ما جاءت للتفاخر، إنما جاءت لتصلح نفوسنا وسلوكياتنا.
جاء فى إنجيل متَّى: 28″مَاذَا تَظُنُّونَ؟ كَانَ لِإِنْسَانٍ ابْنَانِ، فَجَاءَ إِلَى الأَوَّلِ وَقَالَ: يَا ابْنِي، اذْهَبِ الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي. 29فَأَجَابَ وَقَالَ: مَا أُرِيدُ. وَلَكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيراً وَمَضَى. 30وَجَاءَ إِلَى الثَّانِي وَقَالَ كَذَلِكَ. فَأَجَابَ وَقَالَ: هَا أَنَا يَا سَيِّدُ. وَلَمْ يَمْضِ. 31فَأَيُّ الاِثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الأَبِ؟” قَالُوا لَهُ: “الأَوَّلُ”. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: “الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ، 32لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيراً لِتُؤْمِنُوا بِهِ” .
لابد للإيمان من عمل، وإلا فلا إيمان، فلا تظن أنك مؤمن لأنك تنطق بالإيمان وتؤدى أشكال العبادت، لكن أفعالك تناقض الإيمان. حقًا لقد قبل اليهود العمل في الكرم، أى العمل بدين الله، لكنهم قبلوا ذلك بالكلام دون العمل، لذلك طَردوا أنفسهم بأنفسهم من الكرْم، ليتركوا مكانهم للأمم” غير اليهود” الذين لم يسمعوا لله أولاً لكنهم عادوا ليُطيعوه. الابن الأول يُمتدح مرتين: مرة على صدقه في عدم إعطائه وعداً قد لا ينفذه، ومرة لتراجعه عن خطأه بأن رجع لينفذ مشيئة أبيه، والابن الثاني يُذَّم مرتين، مرة لأنه أعطى وعداً ولم ينفذه، ومرة لعصيانه مشيئة أبيه.
يتم التركيز مرارا وتكرارا على أن المسؤولية الشخصية مبدأ من مبادىء الإسلام، فالإيمان يبدأ بإرادة شخصية، وإذا كان صحيحا وصادقا، يؤدي إلى السلوك الصحيح. وفى هذا يتميز هذا الإيمان عن ذلك الذى يعد بالخلاص لأن شخصا آخر، طُلب منك أن تؤمن به، قد حمل خطايا الناس، كما يقول المسيحيون فى المسيح، وهذه جاهلية إيمانية، أو ذلك الإيمان الذى يقول أنك متميز لأنك ولدت من عرق معين أو طبقة اجتماعية خاصة، كما يعتقد اليهود، وهذه جاهلية فكرية. عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “إنَّ اللّه قد أذهب عنكم عُبِّيّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب ليدعنَّ رجالٌ فخرهم بأقوامٍ، إنّما هم فحمٌ من فحم جهنم، أو ليكوننَّ أهون على اللّه من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن” .
تأملات مُسلم فى إنجيل مَتَّى الجزء الثانى رابط مباشر PDF