تنزيل تحميل كتاب الأزمة الأوكرانية ونظرية الحرب الباردة الثانية pdf مفكر مصري استراتيجي متخصص في قضايا فكرية وثقافية عديدةمنذ انتهاء الحرب الباردة لم يشهد النظام العالمي أزمة بعمق وحدة الأزمة الأوكرانية الراهنة. النظام العالمي شهد تحولات استراتيجية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لكنها جرت على مدى زمنى واسع، وبشكل تدريجي، في إطار عملية تحول تراكمية؛ وقد ألف المؤرخ نايل فرجيسون كتابا بعنوان «حضارات» وقد أثار حفيظة الكثيرين في الغرب عندما اعتبر أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا قد أدخل العالم إلى «الحرب الباردة الثانية»، وهو ما يعني سقوط الكثير من الأوهام الغربية مثل «نهاية التاريخ» «والقرن الأمريكي» وهيمنة النموذج الغربي الليبيرالي على العالم وسط سقوط الإيديولوجيات الأخرى في العالم.
في اعتقادي روسيا تحدثت ضمنا عن تغيير أوكرانيا أو بالدقة عندي ما يجري الآن بين روسيا وأوكرانيا هو عملية خض ورج بالسلاح لأوكرانيا من أجل تحقيق أهداف محددة ، وطبعا هذا هو الجانب الروسي المباشر في الحرب الدائرة .. لكن هناك جانب عالمي فوق أوكراني لهذه الحرب ، عنوانه ” أننا بصدد تغيير توازنات القوة في العالم ” ، وهذه التوازنات تتغير منذ فترة من خلال الاقتصاد ، والسلاح ، والتكنولوجيا ، وما يجري الآن هو أنه على نار الحرب الأوكرانية تجري إعادة صهو وتشكيك العالم الجديد ، عالم الحرب الباردة الثانية .
إنها “لعبة الأمم” على الأراضي الأوكرانية، التي تتواصل فصولها المتأرجحة، فرغم مؤشرات خفض التوتر، يتم تبادل التهديد والوعيد من جهة، والتهدئة وعروض الحوار والتفاهم من جهة ؛ وإصرار الرئيس بوتين على لغة تحمل بقايا نغمة صوت الزعيم الشيوعي خرتشوف، ولغة جسد صاغ إيقاعها بمهارة لاعب الجودو، إضافة للحشود العسكرية والمناورات الجديدة، بالقوة الصاروخية والأسلحة غير التقليدية عند الحدود، التي يشرف عليها شخصيا، والحشد المقابل المتزايد لقوات حلف الناتو في أوروبا الشرقية، ونوعية السلاح الحديث المتدفق، وصواريخ ستيجنر الأمريكية على أوكرانيا، والتوترات في شرق البلاد، والتلاسن داخل أروقة مجلس الأمن والاستفزاز الأمريكي، كل ذلك يدق أجراس المواجهة القريبة بين كتلتين، لم تهدأ نار العداوة بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الحرب الباردة “حرب أم لا حرب؟” لم يعد هذا هو السؤال المطروح، بل أصبح السؤال الأهم “ماذا بعد كل ذلك مع حسابات المكسب والخسارة لكل الأطراف؟” الروس خلال الأزمة كانوا يضعون نصب أعينهم قناعتهم، بأن الرئيس الأمريكي الجديد، سيتخلص من بعض أعباء أمريكا، من أجل التركيز على تحويل التنافس مع الصين، إلى نوع من الإدارة المشتركة للكوكب، كما كشفت الأزمة اقتناع بوتين بنجاح نظرية حافة الهاوية، التي كان فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد أيزنهاور، أول من نادى بها، والمفارقة أنه قد وضعها لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ويعيدها للحياة الرئيس الروسي في مواجهة الغرب.
ومن جهة أخرى نجد أن الكثير من الكتابات ركزت على سيناريو تشكل تكتل صيني – روسي، خاصة بعد قمة شى جين بينج- بوتين في الرابع من شهر فبراير الماضي على هامش افتتاح دورة أوليمبياد الألعاب الشتوية (بكين، 4-20 فبراير 2022)، والتي صدر عنها بيان مهم تحدث عن شراكة استراتيجية بلا حدود بين الجانبين، ووجه انتقادات شديدة للولايات المتحدة. لكن خبرة الأزمة الأوكرانية الراهنة قد تمثل تحديا للعديد من هذه الاستنتاجات.
والأزمة الأوكرانية تمثل حالة دراسية مهمة لفهم بعض أوجه الغموض القائم بشأن مستقبل النظام العالمي، كما ستلعب دورا كبيرا فى عكس مسار بعض الظواهر المهمة التى تكرست خلال العقود الأخيرة.
كذلك من ناحية، كشفت الأزمة عن حدود استعداد الصين للتكتل مع روسيا في مواجهة الناتو والولايات المتحدة، وأن وجود مصالح/ خطاب صيني- روسي مشترك ضدهما لا يعنى استعداد الصين لتصنيف نفسها ضمن معسكر صيني- روسي. ربما يعود ذلك إلى قراءة صينية بأن الوقت مازال مبكرا على هذه المرحلة داخل النظام العالمي، أو إلى توظيف صيني ذكى للأزمة لتأكيد أنها ليست قوة مُرَاجِعة. لكن الأزمة قد تؤسس في جميع الحالات لعدد من الاستنتاجات الأمريكية- الأوروبية. من بين هذه الاستنتاجات المحتملة أن روسيا، وليست الصين، هي مصدر التهديد داخل النظام العالمي، وأنه يجب عدم التعامل مع روسيا والصين باعتبارهما معسكرا واحدا رغم كل مظاهر التنسيق أو الشراكة الاستراتيجية القائمة بينهما، بل إنه يمكن بناء توافقات مع الصين داخل النظام العالمي. في السياق نفسه، كشفت الأزمة عن وجود ما يشبه التوافق العالمي ضد السلوك الروسي، ليس فقط فى مواجهة أوكرانيا كدولة، ولكن في مواجهة الأمن العالمي، بالنظر إلى اتساع التكاليف الأمنية والاقتصادية العالمية للأزمة، واستحضار روسيا السلاح النووي في المشهد. وقد تأكد انعزال روسيا مع اتخاذ الصين خطوة واضحة بعيدا عن الشريك الروسي، لتبدو روسيا بمفردها، مع بيلاروسيا، فى مواجهة العالم.
ومن ناحية ثانية، أسست الأزمة تحولات مهمة على مستوى القارة الأوروبية، أبرزها إحياء مفهوم الأمن الأوروبي، والاتجاه إلى إمكانية اختفاء بعض الظواهر الأوروبية مثل الحياد الفنلندى والسويدي، بل وإمكانية انضمامهما إلى حلف الناتو. وعلى العكس مما سعت إليه روسيا من وقف توسع الحلف شرقا، فإن الأزمة الأوكرانية قد تنتهى إلى تأكيد التماسك الأوروبي، سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو الناتو، خاصة في ضوء ما كشفت عنه الأزمة من عدم اختفاء التهديد التقليدي الرئيسي والتاريخي من ناحية الشرق، رغم اختفاء الاتحاد السوفيتي. ويغذى هذه المخاوف ارتباط الأزمة الأوكرانية بخطاب روسي حول إرث الاتحاد السوفيتي وما وصفته بـالحقوق التاريخية. التحول الأهم في هذا السياق تمثل فى خروج ألمانيا عن أحد ثوابت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمتمثل في تحجيم الإنفاق العسكري وعدم التورط فى أى أعباء عسكرية خارجية. فقد أعلن المستشار الألمانى أولاف شولتز بداية هذا الأسبوع إنشاء صندوق خاص لتعزيز المنظومة الدفاعية للجيش الألماني برأس مال قدره 100مليار يورو، بجانب زيادة حجم الإنفاق العسكري إلى أكثر من 2٪ من الناتج المحلى الإجمالي بدلا من 1.5٪ حاليا. كما قد تخلق الأزمة سياقا جديدا لإعادة النقاش حول فكرة الجيش الأوروبي الموحد، وتعميق الشراكة عبر الأطلنطي.
تحميل كتاب الأزمة الأوكرانية ونظرية الحرب الباردة الثانية pdf رابط مباشر PDF