تنزيل تحميل كتاب التعريفات الفقهية عند ابن عرفة PDF رجلُ فِكرٍ وأدب، جمع بين البحث الأكاديميّ والخبرة العمليّة على المستوييْن الوطنيّ والدّوليّ، وعُرف بمشاركاته العلميّة في أكثر من مجال: اهتمّ بالشّأن التّربويّ والتّعليمي تنظيرا علميًّا وتدريسًا بالجامعة وتأهيلا للأساتذة… واعتنى بالحضارة الإسلاميّة في مناحيها المختلفة عرضًا وتحليلاً ونقدًا وتجديدًا… متفقّد عامّ للتّعليم بتونس، يُدرّس الدّيداكتيك وهندسة البرامج بالجامعة التّونسيّة… حاصل على دكتوراه في العلوم الإسلاميّة، ودكتوراه في مناهج وطرق التّدريس… خبير دوليّ في الجودة والاعتماد في المنظومات التّعليمية… مدقّق جودة باعتماد أكاديّميّ فرنسيّ… عمل مستشارًا لعدد من المؤسّسات التّعليمية في دول كثيرة… وشارك في عشرات المؤتمرات والملتقيات المتخصّصة عبر العالم وأشرف على الكثير منها، وله أكثر من مائة وعشرين مؤلّفا وبحثًا معتمدًا في الشّأن التّربويّ وفي العلوم الإسلاميّة، بين كتب ومقرّرات تربويّة وتعليميّة وأوراق عمل وبحوث محكّمة…
من مؤلّفاته:
– مفاهيم تربوية حديثة
– علم مقاصد الشريعة: مفاهيمه وآليات عمله
– الموسوعة الشاملة للتّعلّم بالمشروع
– التّفكير فريضة
– مقاصد الشّريعة الإسلاميّة: ابن العربي نموذجا
– الشّريعة الإسلاميّة بين سطحيّة الموالين وجهل المناوئين
– المنهزمون فكرًا وتشريعًا
– مجتمعاتنا بين التّجديد والحول النّمطيّة
– مدخل إلى تعلّميات الموادّ
– التّعلّميّة المقارنة
– التّربية الجنسيّة بين الكونيّ والمحلّيّ
– المتهافتون حول القرآن: شحرور نموذجًا
– الإطار المفاهيمي لعلم المقاصد: قراءةٌ نقديّة
– الاجتهاد المقاصديّ: قراءةٌ نقديّة…
– أزمة الخطاب الحداثوي: تقرير لجنة الحريات الشخصية والمساواة نموذجًا…
– …تقديم سلسلة تقريب التّراث وتهذيبه…
بِاسمِه نبدأ في عملٍ بيانيّ ينشد تحديد الأسماء وضبط القول فيها… مستعينًا بمن خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن: 3، 4]… وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31]…
أمّا بعد، فقد وُلدت هذه السّلسلة نتيجة سعيَيْن: أوّلهما قديم بدأ منذ بدأت الطّلب، فقد كنت أسجّل تارةً ملاحظاتي على هامش الكتب التي أقرأ، وأبادر تارة أخرى إلى تلخيص أهمّ محتوياتها معتنِيًا بكلّ الكتاب مرّةً، وبمصطلحاته ومفاهيمه مرّة غيرها…
ولم تلبث الأيّام أن أمّدتني بمادّةٍ لم أخطّط لها حين بدأت، فقد تراكمت الملاحظاتُ والخلاصاتُ، واستوت على سوقها “محتوًى” نقديًّا اخترتُه في ضوء تحدّيات العصر قدرَ طاقتي، وصُغتُه -كلّما سنحت لي الفرصة- بلغة هذا الزّمان، أو جعلته يبدو كذلك، لأنّ ما يميّز هذه السّلسلة أن تدخّلي فيها ضئيل جدًّا.
لم أتردّد كثيرً لَـمّا أغواني المحتوى بالنّشر يحدوني هدفان:
– تقريب تراث الأسلاف من خلال بعض التعليقات الموضّحة، والمقارنات الهادية، والإحالات الموجّهة، والمراجعات المتوخّية للتّحقيق ما تسمح به الـمُنّة، وشيء من إعادة الصياغة إذا اقتضى الأمر ذلك، واجتهدتُ أن تكون مواطنه قليلة مع ذكر النّصّ الأصليّ… لعلّي أفيدُ الطّلاّبَ بعمليّات التّقريب تلك إشاراتٍ دقيقةً تهديهم مواطن الطّرافة العلميّة في كلّ كتاب. فضلا عن إعادة ترتيب الكتاب ترتيبًا مُعجميًّا، وهو لعمري حَريّ بأن يجعل المفاهيم أقرب منالاً.
– تهذيب ما يحتاج منه التّهذيبَ ممّا قد لا يحتاجه القارئ المعاصر من مضامين، وتنقيته مما قد يَثْقل عليه ولو كان متخصّصا، واستبعاد قدرٍ لا بأس به من استطرادات وأطروحات ليست ذات أولويّة بالنسبة إلى الباحث، لعلّه يتيسّر له وحتّى للذين يحبّون أن يتعرّفوا إليه من غير المتخصّصين…
وأمّا الثّاني، فهو متأخّر عن الأوّل بعض الشيء، وقد بدأ يوم اهتممتُ بالوعي الاصطلاحيّ في الثقافة العربيّة، وحاولت أن أتوّج ذلك الاهتمام بالمشاركة في خدمة المعجميّة العربيّة بتنفيذ عمليْن أساسيَّيْن:
– أوّلهما: تأليف “موسوعة التّعريفات الاصطلاحيّة” ورجوت أن أجعله مدخلا مفاهيميا إلى الثّقافة الإسلاميّة عموما.
– ثانيهما: إعداد “معجم الفقه وأصوله”، وأردته مدخلا مفاهيميا إلى كلّ من يريد التّعرّف إلى التّشريع الإسلامي في أبعاده الثلاثة: أدلّته ومقاصده وأحكامه.
وكان لا بدّ أن أمرّ بمحطّة سابقة لذيْنِك الكتابين، ألا وهي تجميع مادّة اصطلاحيّة من عدد من الكتب المعترف بفضلها، وكنت كلّما انتهيت من جرد كتاب من تلك الكتب إلا وقلت في نفسي: إنّ ما جنيتُه من المادّة في هذا الكتاب يصلح أن يكون كتابا في ذاته، يقرّب مصطلحات الكاتب ويكشف منهجه في التّفكير ويرسم صورة واضحة عن شخصيّته العلميّة.
ولا أُخفي أنّني في مرحلة ما، وبعد أن تطوّرت الإنتاجات وتبلْورت الأفكار واستقرّ العزم على نشر الأعمال، تذكّرت فجأة سلسلة جميلة تعاملت معها منذ عقدين من الزّمن تقريبا، وهي سلسلة “تقريب التّراث”، تحت إشراف الدّكتور عبد الصّبور شاهين، ملكت منها أعدادا ثلاثةً: تقريب رسالة الشّافعيّ، وتقريب درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، وتقريب شرح الحكم العطائية للرّندي، ووجدت فيها فكرةً مُلهمةً، توخّيتُ طريقَها مع تعديل في المنهج وفي العنوان:
– أمّا من حيث المنهج فقد اخترتُ -في هذه السلسلة خاصّة- أن أحافظ على ألفاظ الكتاب وصياغاته بدرجة تكاد تكون كلّيّة إن لم تكنها فعلا، ولا يقلّ عن ذلك أهمّيّة أنّني أحلت كلّ مصطلح أو تعريف على موطنه الأصليّ من الكتاب المطبوع ليكون “التّقريب” خادما للكتاب الأصلي وليس بديلا عنه، ثمّ ضمانا لقدر كبير من التّوثيق المساعد على الاستشهاد الآمن بمضامين الكتاب.
– وأمّا العنوان، فجعلته “تقريب التّراث وتهذيبه”. سائلا الله أن ينفع بها ويفيد المتخصّصين وغيرهم.
بين يدي الكتاب…
أضع بين يديْك هذا الكتاب الثّاني من سلسلة تقريب التّراث وتهذيبه، سلسلة تأمل -على استحياء- أن تنخرط في جهود قديمة حديثة تعمل على الحفر في التّراث وبناء جسور نقديّة تصل بين موروث فقهيّ غنيّ بمادّته المفاهيمية والمنهجيّة وواقع متجدّد التّحدّيات متنوّع الأبعاد، وهي بذلك تنشد أن تُشارك في توفير مفاتيح تصلح أن تكون:
– مدخلاً ضروريًّا لفهم الثّقافة الإسلامية عموما والفقه الإسلامي خصوصًا.
– مقدّماتٍ أساسيّةً للتّعرّف إلى العقل الإسلاميّ وهو يعمل ويتفاعل مع الحياة في مرحلة ما من تاريخ.
– مؤشّراتٍ مساعدةً على تبيّن ما طرأ على التّفكير الاصطلاحيّ من التّغيير والتّطوّر باعتباره مؤشّرا على التّطوّر الفكريّ عموما.
وإنّك واجدٌ فيه:
– تهذيبًا وتنقيةً وتنقيحًا تقتضيها أولويّات العصر وثقافته ومشكلاته.
– تحقيقًا ومراجعة ومقارنات تُمليها سنّة التّطوير وحاجة العمل البشريّ إلى النّقد الدّائم والاستفادة من تراكم الخبرات والتّجارب.
– إعادة صياغة لمواطن قد تُشْكل على قائلها فضلا عن قارئها في زمانه، فما بالك بالنّاظر فيها من أهل هذا الزّمان.
– إعادة ترتيب ترسّم خطى المعاجم، ورجوت من ورائها تيسيرَ الوصول إلى مصطلحات الكتاب وفوائده، وتوخّيت فيها ترتيبا ألفبائيّا ألِفَته أذهانُنا.
أهمّيّة الكتابِ وموضوعِه:
مصطلحاتُ الفقهاء بوّاباتٌ تلج بك إلى المفاهيم الفقهيّة. والمفاهيم خزّاناتٌ دلاليّةٌ تختزِل كثيرًا من مكوّنات الثّقافة وأسسها. والعناية بالمصطلحات أحد أهمّ المداخل إلى التّعلّم والتّفقه، ويُمكنك -لذلك- اعتبار هذا المؤلَّف كتاب تفقُّه وتفقيه، بقدر ما هو كتاب نظرٍ في المخزون الاصطلاحيّ وتفكيرٍ.
وإنّي بقدر ما أرجو لقارئ هذا الكتاب اكتشافًا أقرب منالا لما يرتجيه من القضايا بسبب ترتيبه المعجميّ، فإنّي على يقين أنّه لن يمرّ مرور الكرام على ما قد بُثّ في ثناياه من المراجعات الفكرية والمواقف النّقديّة، سواءً أكانت ممّا تولاّه ابن عرفة بنفسه في مختصره الفقهي، أو ساقه بعض الشّراح، أو رؤى وردت على خاطري وأنا أقلّب المفاهيم والمواقف.
رحلتي مع ابن عرفة:
كنتُ قد اهتممتُ مُدّةً باصطلاحات ابن عرفة بحثًا ومطالعةً أنشد التّعرّف على منهجه في مصطلحه وتعريفاته، وشددتُ الرّحال إليه أتفقّه به معوّلا على رفيقين في رحلتي: شرح الحدود للرّصّاع والمختصر الفقهي لابن عرفة، وقد عثرتُ فيهما على مواقفَ دقيقةٍ ما كنت لأبلغها لولا شيء من الصّبر على مشقّة الطّريق، مواقف تتوارى خلف مادّةٍ كثيفة ومراجعاتٍ طويلةٍ كانت ثقافةُ العصر تقتضيها، ولا أظنّ مثقّف عصرنا ولا متخصّصه قادريْن على الصّبر عليها ولا معنيّين بالمكوث عندها طويلا…
كما اكتشفت مادّة تعريفية دسمة تحجبها عناوين كثيرة حينًا، وشُحًّا في العناوين حينًا آخر، ومتاهة من التّفريعات لا تكاد ترسو بك على شاطئ إلا لتنطلق إلى آخر، فضلا عن أخطاءَ نقلها محقّقٌ عن آخر واستقرّت بالكتابين على غير إرادة صاحبيهما، بل على غير ما يوافق الحقيقة الفقهية الدّقيقة.
يكفيك دليلا واضحًا على هذه الأخطاء ما رأيته عند الحديث عن “الدِّيَة المُرَبَّعَة فِي الإِبِلِ”، فقد قال الرّصّاعُ: “فِي العَمْدِ إذَا قُبِلَتْ مُبْهَمَةً مَا ذَكَرَ فِي الدِّيَةِ بِطَرْحِ ابْنة لَبُونٍ”.( ) هذا نصّ شرح الحدود.
أمّا الذي في مختصر ابن عرفة “بطرح ابن لبون” وهو الذي أثبتّه في التّعريف بعد المراجعة. ولمّا شككت حاولتُ المقارنة مع طبعة أخرى من شرح الرّصّاع بتحقيق أستاذنا محمّد أبو الأجفان رحمه الله، فوجدتُ الخطأ ذاته( )، أي بالتّأنيث لا بالتّذكير، فأدركت حينها أنّ الخطأ قد يكون في الأصل المحقَّق، وهو خلاف ما أثبتته النّصوص الفقهيّة المعتمدة.
ولتفهم معي منشأ الشّكّ في هذا الذي نقله شرح الحدود بطبعتيه، لا بدّ أن أرجع بك قليلا إلى ما يُسمّى الدِّيَة المُخَمَّسَة عند الفقهاء لأنّها سابقة على الدّية المربّعة، ولأنّها الأصل لها، ثمّ لأنّها التي ستكشف لنا موطن الخلل في النقل.
عرَّف الرّصّاع الدّية المخمسة تقلا عن ابن عرفة فقال: “الدِّيَة المُخَمَّسَة فِي البَدْوِ مِائَةٌ مِن الإِبِلِ مُخَمَّسَةً: بِنْتَ مَخَاضٍ، وبِنْتَ لَبُونٍ، وابْنَ لَبُونٍ، وحَقَّةً، وجذعة”( ). وهي كما تلاحظ تتضمّن بنت اللبون وابن اللبون في آن.
أمّا الدّيّة المربّعة، فيتحدّث عنها خليل في نصّ واضح زاده النّفراوي شرحًا: “(ودِيَةُ) الحُرِّ المُسْلِمِ الذَّكَرِ (العَمْدِ إذَا قُبِلَتْ) بِأَنْ حَصَلَ عَفْوٌ عَلَيْهَا أَو تَعَذَّرَ القِصَاصُ لِفَقْدِ المُمَاثَلَةِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِن أَرْبَعَةِ أَنْواعٍ (خَمْسٌ وعِشْرُونَ حِقَّةً) وهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ (وخَمْسٌ وعِشْرُونَ جَذَعَةً) وهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ. (وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ) وهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِ سِنِينَ (وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) وهِيَ بِنْتُ سَنَتَيْنِ. قَالَ خَلِيلٌ( ): ورُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ”( ).
وهو ما يدلّ صريحًا على أنّ الدّية المربّعة أبقت بِنْتَ المَخَاضٍ، وبِنْتَ اللّبُونٍ، والحَقَّةً، والجذعة، واستبعدت ابْنَ اللَّبُون. وهو ما يعني مرّة أخرى أنّ خطأً ما قد تسلّل إلى شرح الحدود، وهو ليس الوحيد، وستجد الإشارة إلى ما يشبهه في موطنه من الكتاب.
إزاء كلّ هذه الأهداف والأسباب، حدّثتني نفسي أن أنتقي من الجهد جهدًا أستفرغه في عرض مصطلحات ابن عرفة أستلّها من المختصر الفقهي تارة، وأستخرجها من شرح الرّصّاع تارة أخرى، متوخّيًا المقارنة بين النّصّين دائمًا، ومنبّها إلى الاختلافات كلّما ظهرت لي اختلافات، ومرجّحًا صياغة على أُخرى أحيانًا مقدّمًا ما ورد في المختصر الفقهيّ، مع معالجات متنوّعة اقتضاها البحث والنّظر أوردتها في موقعها من الكتاب مميّزا بوضوح بين هذه وتلك.
تحميل كتاب التعريفات الفقهية عند ابن عرفة PDF رابط مباشر PDF