تنزيل تحميل كتاب محمد حسنين هيكل عميد التحليل السياسي PDF مفكر مصري استراتيجي متخصص في قضايا فكرية وثقافية عديدةفى عهد الرئيس مبارك وفى مقابلة مع روبرت فيسك، انتقد بشدة الرئيس المصري السابق حسنى مبارك، قائلا: «إن مبارك يعيش في عالم خيالي في شرم الشيخ» ووصفه في موضع آخر بأنه ليس لديه حنكة سياسية، وقد اعتزل هيكل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي في ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٣ بعد أن أتم عامه الثمانين ومع ذلك فإنه استمر يساهم في إلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب وهو التليفزيون إلى أن توفي في١٧ فبراير ٢٠١٦ (1).
ومع رحيل الصحفي المصري محمد حسنين هيكل طويت صفحة شخصية سياسية وصحفية عربية وثقافية مهمة ، استطاعت أن تلعب دوراً بارزاً في التحولات الوطنية والدولية التي شهدتها المنطقة العربية ، منذ خمسينيات القرن الماضي وإلي الآن . وفي الحقيقة ، فإن رحيل هيكل لا يعني بتاتاً أن سيرته قد طويت ، ولا أن دوره كمثقف قريب من السلطة أو بعيد عنها ، ما يعني أن “ملف هيكل” بدأ بالانفتاح وإثارة الجدل والنقاش من جديد كما كان قبل ، وربما أكثر (2).
والحقيقة أيضا ، إن أهم التساؤلات التي يمكن أن تطرح اليوم بعد مسيرة هيكل المتشعبة كصحفي، وسياسي ، وشاهد علي العصؤ ، إن لم نقل مؤرخاً ،وكاتب ، ومفكر هي : إلي أي درجة كان هيكل يمثل نفسه كمثقف في السلطة ؟ أو ربما هل كان يمثل نوعاً جديداَ من المثقفين الذين لا تنطبق عليهم تعريفات المثقف التقليدية ليكون مثقفاً ” من” السلطة؛ بمعني أنه مثقف ” شارك ” في صناعة السلطة ، ومن ثم كان لا بد من التعبير والدفاع عنها بصفته شريكاً وليس تابعاً ؟ ويبقي السؤال الأهم الذي كان مطروحاً مع أندريه جيد ، ومالرو ، وسارتر ، ويقينا هيكل :” هل الكاتب مثقف؟ (3).
وقد أجاب الفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر “علي هذا السؤال الذي طرحه في مؤتمر اليابان في عام 1965، قائلاً :” المثقف هو مثقف بالصدفة ، منتج من التاريخ ، والاجتماع ، بينما الكاتب منتج من القراءة ، هذا جوهره (مفهوم مفاجئ من فم سارتر) : أعماله ” تأكيد علي القيمة المطلقة للحياة المعاشة ، وملحة علي حرية هدفها الآخرين” (4).
إذن ، للإجابة علي التساؤلات السابقة علي هدى ” الرؤية السارترية ” ، سنتطرق إلي الحديث عن هيكل صاحب لقب عميد المحللين السياسيين العرب، فكما هو معروف فإن الأستاذ هيكل يحمل دائما أجنده بداخله ، تحوي صفحاتها فكراً منظماً ، ودقيقاً يعكس رؤية شاملة ، ومعمقة لكافة القضايا السياسية والاستراتيجية ، وحتي الاجتماعية والفنية منها .. فهو مثقف موسوعي جذوره الطبقية والاجتماعية تمتد في أرض صلبة حيث الطبقة البورجوازية التي حملت أفكار التغيير في مصر منذ منتصف العشرينيات من القرن الماضي وقادت الثورات وحركات التحرير ونهضة الفكر والفن .. فكان طرحاً لحقل جميل من الأفكار والقيم والتقاليد المهنية والاجتماعية صقلتها بخبرات لم تتوافر لكثير من أبناء جيله والأجيال التي تلته أو سبقته في الصحافة المصرية والعربية ..محمد حسنين هيكل .. وجد نفسه في الأربعينيات صحفيا .. مسألة صدفة وقدرا .. إلتقط هذه الصدفة –التي كانت قدرة – وطور نفسه منذ أن كانت الصحافة ما زالت خيالاً في ذهنه .. إلي أن أصبح له خياله الخاص .. نحن أمام رجل .. يحمل ترمومترا داخله عقله .. به يقيس درجة حرارة الخبر ..! .. وإلي جانب هذا الترموتر فهو يحمل ذاكرة متينة يجددها بطريقته الفريدة التي ابتدعها .. يجددها بإعادة قراءة أوراقه .. ويسترجع الماضي والحاضر لذلك يجد المستقبل أمامه دونما أي مجهود .. هيكل .. لأنه له خياله الخاص فقد خاض الكثير من المعارك ، واختار طريقه في زمن لا يرحم فقراء الخيال .. هذا الصحفي الذي يتحرق شوقاً إلي مصدره .. لكنه أبداً لا يتنازل ، إلا إذا بحث عن مصدره واطمأن إليه .. هو جاهر للقول والحوار ومن هذا الجدال تولد الأفكار وتقفز الأخبار إلي يديه بعد أن تخيلها لتصبح حقيقة.. هذا هو هيكل صحفي الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات إلي آخر القرن العشرين.. هيكل شاهد علي العصر منذ منتصف القرن إلي نهايته ، كما كان عبد الرحمن الجبرتي شاهدا علي عصر نابليون ومحمد علي .. ولم يتأثر يوما بغيابه عن دور تنفيذي .. وهو يقول في ذلك : قلمي ما زال في يدي .. وهذا أقل شئ .. والصحفي قلم وليس الصحفي مقعداً.. إن هيكل واحد من جيل الصحفيين الأعزاء الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم ّّ .. لقد صنع هيكل بصيرة بين المشروع المهني والفكري والثافي .. هو من جورناله حركة إصدار يومية .. ومن احتضانه مجموعة تنبت وتنمو وتكبر وتقدم للنظام حوارا .. حوارا بين النظام والمجتمع .. إن احتضانه للمشروع الفكري والثقافي لا ليخالف النظام ولا يقف علي اليسار أو اليمين .. لكن في موقف المحاور .. كان ذلك لخدمة المشروع السياسي والوطن والأمة .. هيكل خرج بالأهرام وبالحافة المصرية خارج حدود الوطن .. وكان ساحة ووعاء تتجمع فيه الكفايات أمثال لطفي الخولي ، ولويس عوض، وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ .. المهم في النهاية أن صحافة مصر صحافة تجاوزت حدود الوطن .. هيكل أقر فكرة التجديد في شكل تطبيقي وتنفيذي وعمى ، لم يخضع للأفكار التقليدية فجاء المراسل والمندوب وجامع الأخبار ، لم يأت لصفة صاحب الصحيفة أو المؤسسة .. فكا استثناء لهذه القاعدة القديمة فلم يكن مالك مؤسسة .. لقد فهم هيكل مبكرا معايير دولية الصحيفة ، وفهم التخصص الجغرافي للصحيفة فجمع الخبراء الذين يعملون عملاً صحفياً يتمرسون فيه في شئون منطقة بعينها من العالم (5).
ولم تكن تجربة هيكل في الصحافة المصرية والعربية مجرد تجربة صحفية كان لها تأثيرها علي أكثر من مستوي ، بل كانت تجربة في الوعي الإنساني السياسي الاجتماعي والفكري .. تأسست هذه التجربة علي الطموح اللامحدود ، والاستكشاف لآفاق المستقبل ، والبحث عن صيغ لا محدودة – أيضاً – لتجاوز الصعوبات .. إنها ” كاريزما” الحضور .. وصناعة التاريخ ، فلم يكن هيكل هو ذلك الكاتب الصحفي الكبير صاحب الخطاب السياسي والمؤثر في الأحداث ، بل وصانع الحدث السياسي – في بعض الأحيان ، بل تجاوز كل ذلك إلي البعد الجماهيري ، فلم يرتبط القارئ المصري بمقال صحفي مثلما ارتبط بمقالات هيكل سواء في الأخبار أو الأهرام وتحليلاته السياسية لأكثر من سبعين عاما من الكتابة والرؤية وانفتاح الوعي علي آفاق رحبة من التغيير والتحولات ، والثورة ، والعواصف .. لقد عاش طوال حياته مناصرا للحرية واعيا إلي مبادئها ، وصارت حياته ما بين الشد والجذب ، وما بين الاتفاق والاختلاف .. امتاز بجسارة الموقف ، وقوة الرأي ، وعمق التحليل السياسي والاجتماعي ، وهو ظاهرة مصرية تستحق الدراسة لتأثيرها علي أجيال متعددة ، رغم أننا نختلف كثيرا مع مواقفه السياسية.. (6).
كانت ميزة هيكل ولا تزال ، أنه الأقدر بين جيله علي صنع صحافة خصبة محترمة قوية التأثير ، تحمل رسالة واضحة إلي قارئها ، ولعله أنشأ بكتاباته مدرسة صحفية جديدة في مصر ، استطاعت أن تحفظ للمهنة رصانتها واحترامها ، وأن تحافظ في الوقت نفسه علي قدرتها ، وبراعتها في لفت الأنظار وجذب الانتباه ، وإثارة شهية القراء الذين كان يأخذهم هيكل في مقاله الأسبوعي “بصراحة” إلى قلب الحدث ليشاركوه التفكير في كل كلمة ومعني (7).
وعندما استعانت به أسرة تكلا ، أصحاب الأهرام قبل تنظيم الصحافة ، كي ينقذ الصحيفة العتيقة من حالة الركود والجمود التي سيطرت علي تحريرها لأكثر من عقدين من الزمان .. كان هم هيكل الأول ، أن يحافظ علي مصداقية الأهرام ، لا يخدش شيئا من رصانتها ، وأن يعطيها نفسا جديدا تتواصل به مع متغيرات عصرها لتصبح جريدة كل المصريين ، وجريدة كل الأجيال (8).
وبرغم أنه كان أنجب تلاميذ مدرسة أخبار اليوم التي تعتمد الإثارة والتشويق لجذب قرائها ، حرص هيكل علي أن يحافظ علي تميز الأهرام التقليدي في صدق الخبر ودقته ، لكنه أصاف إلي نزعته المحافظة ما جعل الأهرام أكثر عصرية وأكثر مصرية ، وأكثر قدرة علي التصدي لمشكلات المجتمع ، ومخاطبة قواه الجديدة ، وكانت وسيلته إلي ذلك ، أن فتح أبواب الأهرام لجيل جديدة من الصحفيين الشبان ، ساعدوه علي أن تصبح الأهرام يومها واحدة من أفضل عشر صحف عالمية لقدرتها الإخبارية المتميزة ، ومصداقيتها العالية ، وقوة تأثيرها علي الرأي العام ودوائر الحكم في داخل الوطن وخارجه ، فضلا عن دورها المهم كجسر للتواصل مع ثقافات العالم المختلفة .. ففي تلك الأيام التي يصفها البعض بالانغلاق كان ينذر أن يصدر كتاب مهم أو يذيع صوت مفكر واهد أو مؤثر في أى من أركان العالم ، دون أن تجد صداه في التو واللحظة علي صفحات الأهرام القاهرية (9) .
تحميل كتاب محمد حسنين هيكل عميد التحليل السياسي PDF رابط مباشر PDF