تنزيل جماليات الاشكال المركبة والمتخيلة في مخطوطة القزويني استاذ مساعد دكتور فلسفة فنون تشكيليةيعمل العقل الانساني على توسيع نطاق معارفه و مديات احاطته بظواهر العالم الخارجي لغرض احتوائها وايجاد التفسيرات الممكنة لها، فالوجود لا يفصح عن جميع اسراره و امكاناته ويظل الجزء الاكبر من محتويات و موجودات العالم المحيط غامضا مخفيا على العقل البشري و الانسان لا يدرك كل موجودات وحقائق الكون فهناك جوانب غير منظورة ، وهناك ثمة عوالم اخرى لا يمكن بلوغها وادراكها الا بالعقل و البصيرة لان الله تعالى قادر على خلق ما لا نستطيع تصوره من الكائنات و الاشياء و المخلوقات في صور وتراكيب لايمكن حصرها ، غير ان الانسان قادر على التحليق بخيالاته وتصوراته في مثل هذه العوالم و الاكوان المليئة بالمخلوقات الغريبة مما يلهم المخيلة الابداعية للادباء و الفنانين فتذهب احيانا الى اختراع صور وتراكيب فنية معقدة مؤلفة من عناصر واشكال متباينة يتولى الذهن جمعها وتأليفها من خلال عمليات التحليل و التركيب والتجزئة و التوليف بين اجزاء و اعضاء يتم انتقائها من مخلوقات معروفة و شائعة ، فقد شاعت صور المخلوقات المركبة في فنون العراق القديم مثل الثيران المجنحة و الكائن الخرافي (مشخورش) الذي تزين صورته جدران شارع الموكب في بابل القديمة و المؤلف من جسد اسد ورأس افعى ومخالب نسر، كما مثلت اشكال الالهة المجنحة مثل عشتار ومردوخ في صور تجمع بين الاشكال البشرية و الاجزاء الحيوانية . وقد ظلت هذه الصور المركبة شائعة في اساطير و قصص وتاريخ العالم القديم ومع نزول الاديان السماوية ظهرت صور المخلوقات المركبة في الديانة اليهودية بصورة عصاة النبي موسى (ع) التي تتحول الى افعى كبيرة وفي المسيحية بصورة التنين المجنح النافث للنار الذي يصارعه القديس جرجس فيقتله ليخلص الناس من شروره، وفي الفكر الاسلامي تحفل قصص الاسراء و المعراج النبوي الشريف بصور المخلوقات المركبة مثل كائن (البراق) وهي دابة تشيه الحصان ذات اجنحة ورأس بشري، وغيرها من الكائنات السماوية العجيبة و الملائكة المجنحة التي رأها الرسول محمد (ص) و آله في رحلته العجائبية الى السموات العليا. وتحفل مخطوطات الادب و التاريخ و العلوم الاسلامية بالعديد من صور و اشكال المخلوقات المركبة و الغريبة ومنها مخطوطة كتاب عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات للقزويني المزوقة بكثير من المنمنمات التي تصور كائنات غرائبية مؤلفة من اجزاء و اعضاء متنوعة و على صور غريبة واشكال عجيبة ، ففي الكون اسرار والغاز يستعصي على العقل البشري فهمها والاحاطة بها جميعا فالمشخص المدرك من موجودات وحقائق العالم ليس وحده الموجود وليس هو غاية ونهاية الخلق الرباني ولاينفي العلم امكانية ظهور حقائق و اشياء وكائنات اخرى غير التي نعرفها، وعليه فان العالم الذي نعرفه ونبصره ليس هو العالم الوحيد الذي يمكن تصوره بل ان بالامكان تصور كائنات اخرى قد تأتي على اشكال مغايرة وتراكيب مختلفة و ثمة عوالم اخرى لا يمكن بلوغها وادراكها إلا بالعقل و البصيرة النافذة، فللانسان ملكة الخيال الحية التي تعمل من خلال النشاط التخيلي وهي تقوم باحداث ازاحات كبيرة في الاشكال تبعا لمرجعيات و تصورات الفنان وفاعلية خياله الابداعي من اجل اغناء واثراء عالمه بصور وتراكيب فنية وجمالية جديدة تتم صياغتها بمهارة وبلاغة وتحميلها بدلالات واسعة تفتح امام المتلقي افاق التامل العميق والتاويل الواسع والقراءة اللامتناهية . لذا جاء هذا الكتاب لتبحر به المؤلفة في عوالم هذه الاشكال المتخيلة متمحورا بفصوله الخمسة حول موضوع (جماليات الاشكال المتخيلة في مخطوطة القزويني :عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات) ، وفي الفصل الاول تعرض المؤلفة للمقاربات الفلسفية لعلم الجمال في الفكر الإسلامي اما الفصل الثاني فقد قدمت فيه عرضا لحوارية الخيال والمتخيل في الفن الإسلامي ، بينما طرح الفصل الثالث البنى المؤثرة في فن التصوير الاسلامي ، فيما خصصت الفصل الرابع لدراسة الابعاد التاريخية لمخطوطة القزويني (عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات ) ورصد تفاصيل كل النسخ المتوفرة لهذه المخطوطة الفريدة ، وينفرد الفصل الخامس بقراءات جمالية ترتكز على دراسات بنائية ودلالية للاشكال المركبة في منمنمات مخطوطة القزويني : عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات، من خلال تحليل اهم الاشكال المركبة في اقدم نسخ المخطوطة .
جماليات الاشكال المركبة والمتخيلة في مخطوطة القزويني رابط مباشر PDF