تنزيل دور مصر في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل فلسطين الأستاذ الدكتور “محمود محمد علي محمد”، واحداً من كبار المفكرين المصريين المعاصرين الذين يطلق عليهم لقب المثقف الشامل الذي ضرب بسهام وافرة في فروع الفلسفة ، حيث كتب في الفلسفة الإسلامية ، والتصوف ، وعلم الكلام ، والمنطق ومناهج البحث وفلسفة الابستمولوجيا، علاوة علي استغاله بقضايا الفكر السياسي المعاصر ، وهو صاحب موسوعة أجيال الحروب والتي صدر منها حتي الآن ثلاثة مجلدات ، بدأ فيها من حروب الجيل الثالث إلي حروب الجيل الخامس ، علاوة علي اهتمامه الشديد بقضايا الأوبئة والجوائح ، ومقالاته المتعددة حول كوفيد 19، وكذلك مقالاته في القضايا الاجتماعية والسياسية والمنشورة بالصحف والمجلات العربية والمصرية.
ولد “محمود محمد علي محمد” في مدينة مدينة أخميم بمحافظة سوهاج ، في الرابع والعشرين من شهر يوليو سنة 1966، ونشأ كعادة أبناء القرى على حفظ القرآن والأحاديث النبوية والشعر العربي . وفي نفس الوقت بدأ طريق التعليم فدخل مدرسة المجلس الابتدائية .
واصل تعلميه ليحصل على الشهادة الابتدائية من المدرسة الإعدادية الجديدة بأخميم حسب النظام التعليمي الذي كان معمولاً به آنذاك. قد حصل على هذه الشهادة عام 1977م . واصل تعليمه الثانوي بمدينة أخميم أيضاً فالتحق بمدرسة أخميم الثانوية ليحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية عامة 1984م . وفي نفس العام انتقل إلى جامعة أسيوط واختار دراسة الفلسفة ليحصل على ليسانس الفلسفة متفوقاً على كل أقرانه عام 1988م بتقدير عام جيد .
قبل أن يعين مدرسا مساعدا بكلية الآداب – جامعة حلون , حصل على السنة التمهيدية للماجستير بقسم الفلسفة – جامعة القاهرة , ثم حصل على درجة الماجستير في الدراسات المنطقية وكان موضوع البحث “المنطق الإشراقي عند السهر وردي المقتول في ضوء المنطق الأوربي الحديث ” تحت إشراف أ.د/ عاطف العراقي عام 1990م بتقدير عام ممتاز. عين مدرساً مساعداً بقسم الفلسفة – جامعة حلوان , وبدأ رحلة البحث في الدكتوراه بين جامعة جنوب الوادي وجامعة القاهرة حتى حصل عليها من جامعة جنوب الوادي تحت إشراف أ.د/عاطف العراقي في موضوع “المنطق وعلاقته بالفقه عند الأشاعرة ” عام 1995م بمرتبة الشرف الأولى؛ وعقب حصوله علي درجة الدكتوراه عُين مدرسا للمنطق وفلسفة العلوم بكلية الآداب بجامعة حلوان ، ثم حصل علي درجة أستاذ مساعد عام 2004م ، وكذلك حصل علي درجة الأستاذية في عام 2012م.
اشتغل بالتدريس في عدة جامعات مصرية وعربية ، حيث قام بالتدريس في جامعات حلوان وأسيوط ، وجنوب الوادي ، وفي جامعة السابع من أبريل بليبيا وذلك قبل سقوط نظام معمر القذافي ، كما سافر في مهمة علمية للولايات المتحدة الأمريكية ، وحاضر بجامعة جورجيا الأمريكية في عام 2001م ، التقي بالعديد من كبار فلاسفة العلم المعاصرين ، من أمثل سكوت كلينر ، ويري بلاشوف ، وستيفن تولمن وغيرهم ، كما حضر الكثير من المؤتمرات العلمية الدولية والمحلية .
له العديدُ من المُؤلَّفات في الفلسفة، منها: جماليات العلم، ، العلاقة بين المنطق وعلم أصول الفقه، والأصول الشرقية للعلم اليوناني ، المنطق الصوري القديم بين الأصالة والمعاصرة ، والنحو العربي وعلاقته بالمنطق، والعلاقة بين المنطق والتصوف في تراثنا الفكري “السهروردي المقتول نموذجا”، وحروب الجيل الثالث ونظرية تفتيت الوطن العربي، ودراسات في المنطق متعدد القيم وفلسفة العلوم، وحروب الجيل الرابع وجدل الأنا والآخر ، وحروب الجيل الخامس وخصخصة العنف ، وجائحة كورنا بين نظرية المؤامرة وعفوية الطبيعة، هذا بجانب ترجمته لكتاب البصيرة والفهم دراسة في أهداف العلم لستيفن تولمن .
في الخامس من أغسطس الجاري 2022 ، بادرت إسرائيل بالهجوم على قطاع غزة، في سابقة هي الأولى في المواجهات التي دارت بينها وبين الفلسطينيين منذ عام 2008 حتى آخر مواجهة في مايو من العام الماضي. بررت إسرائيل عدوانها هذه المرة بأنه جاء كعملية استباقية، بعد أن قدمت أجهزتها الأمنية تقريرا باحتمال وقوع هجوم من جانب جماعة الجهاد الفلسطينية ضد المدن الإسرائيلية في الجنوب المحاذية لقطاع غزة.
وإقدام إسرائيل على البدء بالعدوان جرّدها من الحجة التي استخدمتها في أربع مواجهات سابقة بأنها تأتى ردا على قيام الجماعات الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، بإطلاق صواريخ صوب المدن الإسرائيلية. كانت تلك الحجة تبدو مقنعة لقادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة وتساعد إسرائيل على استمرار عدوانها فترة طويلة. ولكن مع فقدانها هذه الذريعة كانت إسرائيل راغبة فى إنهاء عملياتها ضد مواقع تنظيم الجهاد بأسرع وقت ممكن.
وعلى الجانب الآخر كان تقدير أجهزة الأمن الإسرائيلية أن حركة حماس لن تقف مع تنظيم الجهاد لأسباب عديدة، أهمها، رغبة الأولى في أن تثبت للداخل والخارج أنها المتحكم الوحيد في قرارات الحرب والتهدئة مع إسرائيل. ومن هنا، يمكن القول إن توسيع الهوة وانعدام الثقة بين حماس والجهاد، كان أحد أسباب إطلاق إسرائيل عدوانها، جنبا إلى جنب مع سعيها لتذكير الدول الكبرى التي تتفاوض مع إيران للعودة للاتفاق النووي حاليا، بأن الأخيرة لا تزال تدعم الجماعات التي تهدد أمن المنطقة ومنها حركة الجهاد.
وأنا من المؤمنين بأنه في الحرب الكل خاسر، لأنها لا تجلب إلا الخراب والدمار والذعر والخوف والقلق، ومهما كانت الانتصارات والمكاسب فهي كما قال الأستاذ أحمد التايب لا تساوى نقطة دم واحدة من إنسان زهقت روحه دون ذنب، ولا تساوى دمعة طفل مذعور، وإذا كان هناك دروس مستفادة من هذه الحرب، فهناك درس قديم جديد، وهو ضرورة التوحد والاصطفاف الداخلي بين الأشقاء الفلسطينيين، لأن قولا واحد هذا الانقسام الداخلي يستغله دائما الجانب الإسرائيلي، لتوظيفه للترويج لمشروعه الاستيطاني، وتشويه سمعة الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، خلاف أنه يؤدى قطعا إلى تشتيت خطاب الوحدة ما بين الفصائل وبعضها البعض، بعد أن بات لكل فصيل منهم وجهة نظر تختلف عن الآخر في كيفية تحقيق وحدة الفلسطينيين، والاصطفاف السليم لمواجهة العدو، أما الدرس الثاني – القديم الجديد أيضا – دائما ما يكون الجانب الإسرائيلي متعنا ولا يبحث عن آية حلول وهذا ما يجب أن يفهمه جيدا الاشقاء، لأن من الآخر لا يهمه إلا تحقيق الأمن لإسرائيل دون أية اعتبارات أخرى، وقتاله على نشر الاستيطان وطرد الفلسطينيين دون تقديم أي تنازلات.
والناظر للحرب الثلاثة أيام في غزة يُدرك تماما مأساة الأشقاء في قطاع غزة، ويدرك أن مصر هي كما قال الأستاذ أحمد السند الحقيقي بعد جهودها في التهدئة، ونجاحها في وقف إطلاق النار لمنع نزيف الدم وإزهاق الأرواح، وهذا ما أشاد به المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية على لسان جو بايدن الذى وجه الشكر للرئيس السيسي، وكذلك مجلس الأمن في جلسته بخصوص هذه الحرب، لتثبت مصر أنها الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية تاريخيا منذ 1948.
لقد بذلت الدولة المصرية جهود مكثفة من خلال اتصالاتها التي جرت خلال الساعات الماضية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي لإقرار وقف إطلاق النار في غزة لوقف نزيف الدماء، وهو ما نجح المسؤولين المصريين بعد قبول حركة الجهاد الإسلامي في غزة والجانب الإسرائيلي بالوساطة المصرية وتأكيدهم على الالتزام بها.
ولهذا أعتقد أن الناجح الأكبر هو الدور المصري في قدرته ونجاحه على وقف إطلاق النار، لأن ببساطة كما قال الأستاذ أحمد مجريات الحرب ممكن تفرض واقعاً مختلفاً، فلك أن تتخيل، إذا سقطت قذيفة في قلب تل أبيب ووقع ضحايا، أكيد كانت ستغير إسرائيل اتجاه الحرب بالمرة وسيحدث دمارا كبيرا، وإذا وقع حدث في القدس، كانت ستلتهب الأوضاع في جميع الأراضي الفلسطينية كلها، وعند وقوع أي سيناريو من هذه السيناريوهات لن يكون ممكناً وقف الحرب، ولهذا باتت الوساطة المصرية الناجحة في إقرار تهدئة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني حديث الساعة في كل الصحف ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية على حد سواء، لإبراز ما قامت به مصر وقياداتها في إخماد التوتر الذي جرى مؤخرا بقطاع غزة ونتج عنه قصف قوات الاحتلال الإسرائيل مناطق متفرقة بالقطاع، مما أسقط العديد من الضحايا والمصابين ودمر الكثير من البنية التحتية والإنشاءات الفلسطينية.
إن وساطة القاهرة” تمت كما قال الأستاذ إبراهيم حسان بجهود كبيرة من الدولة المصرية، ومن خلال اتصالات مكثفة جرت على مدار الساعة، وبتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لوقف إطلاق النار وأيضا لوقف نزيف الدماء والأرواح في قطاع غزة الحزين، ولعل ما طرحته مصر على حركة الجهاد الإسلامي من ناحية، والجانب الإسرائيلي من ناحية أخرى، للالتزام بالوساطة ووقف إطلاق النار – وقبله الطرفين – يؤكد الدور الريادي للدولة المصرية في المنطقة، وعقيدتها على نشر السلام وفرض الاستقرار والبعد عن النزاعات والأزمات في منطقة ملتهبة لا تتحمل أي صراعات من هنا أو هناك.
ولعل ما يؤكد أهمية الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية وحثها على فرض الاستقرار ونزع فتيل الصراعات ونشر السلام، هو الإشادات المتكررة للرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي وجه الشكر في عديد من المرات للرئيس عبد الفتاح السيسي، لدوره المركزي في دبلوماسية وقف إطلاق النار بقطاع غزة، ومجهوداته الكبيرة للتوصل إلى إقرار هدنة بين الطرفين والسعي على استمرارها لأطول فترة ممكن.
ومن أهم الأبعاد التي تقوم عليها السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية هو البعد الإنساني، بدءا من فتح المعابر إلى تقديم المساعدات الإغاثية والطبية، وصولا لإعلان الرئيس السيسي عقب الحرب الإسرائيلية 2021 على قطاع غزة تخصيص مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية لصالح عملية إعادة الأعمار في قطاع غزة مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار، إضافة إلى دعم القطاع الطبي في مواجهة كورنا.
إن الدور المصري الحاسم للتوصل إلى إقرار تهدئة بين العدوان الإسرائيلي والجانب الفلسطيني بعد أيام من الصراع، تكمن أهميته في خروج قطاع غزة بأقل الخسائر الممكنة في حماية الأرواح والمنشآت من ناحية، ومن ناحية أخرى، إظهار قوة الدولة المصرية الحقيقية أمام العالم أجمع في التعامل مع أشد الأزمات التي يعجز الكثير حتى من الاقتراب منها، وهو ما لاقى ترحيب المجتمع الدولي والعربي كونه يعيد الهدوء والحياة لقطاع غزة، ولا يختلف أحد على نجاح الدبلوماسية المصرية القوية والتي من شأنها تدير علاقات مصر الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية بثوابت راسخة ومستقرة، وتقوم في الأساس على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الأخرى للدول، بجانب الجنوح إلى السلام وإعلاء قيم وقواعد القانون الدولي، والحفاظ على المصالح الوطنية وتحقيق التوازن والتنوع في العلاقات الخارجية مع الجميع، ولكن سعيها الدائم إلى تعزيز السلام والاستقرار في المحيط العربي والإقليمي والدولي، يحمل أبعادا متعددة ونواته الرئيسية حماية الشعوب من مخاطر الإرهاب والأفكار المتطرفة وتجفيف منابع الشر والهلاك.
دور مصر في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل فلسطين رابط مباشر PDF