تنزيل عبد الخالق محجوب: تأملات في أفق المعرفة والشهادة عَادِل مُحمَّد عَبْد العاطي كَاتِب وسياسيٌّ مِن السُّودان
ولد بِمدينة عَطبرَة العمَّاليَّة فِي 4 / 2 / 1966 وَتَرعرَع فِيهَا وَدرَس بِهَا المراحل الابْتدائيَّة والْمتوسِّطة والثَّانويَّة وَبدَأ فِيهَا نشاطه الأدَبيَّ والسِّياسيَّ . دَرْس القانون بِجامِعة القاهرة فَرْع الخرْطوم فِي السَّنوات 1985 – 1988 وَدرَس اَللغَة البولنْديَّة بِجامِعة وُودْج 1988 – 1989 وَدرَس الصِّحافة والْعلوم السِّياسيَّة بِجامِعة وارْسو 1989 – 1994 وَمَدرسَة الصِّحافة اَلعُليا بِوارْسو 1995 – 1997.
كان ناشطًا بِالْحركة الطُّلَّابيَّة الدِّيمقْراطيَّة السُّودانيَّة وَشغَل مَنَاصبَا عَدِيدَة فِيهَا وَفِي الاتِّحادات الطُّلَّابيَّة بِالسُّودان وبولنْدَا . وَنشِط فِي الحرَكة الأدبيَّة والثَّقافيَّة السُّودانيَّة وَمِن مُؤَسسِي وَناشِطي ومدُّوني الإنْترْنت السُّودانيِّ.
فِي المجَال السِّياسيِّ كان عُضْوًا فِي الحزْب الشُّيوعيِّ السُّودانيِّ فِي أَعوَام 1983 – 1996 واسْتقال مِنْه رفْضًا لِلْجمود والاسْتالينيَّة والسِّياسات اليمينيَّة لِقيادة ذَلِك الحزْب ثُمَّ أَصبَح عُضْوًا فِي قُوَّات التَّحالف السُّودانيَّة فِي السَّنوات 1997 – 2003 حَيْث اِسْتقَال مِن التَّنْظيم بِسَبب اِنتِهاك – المؤسَّسيَّة والدِّيمقْراطيَّة الدَّاخليَّة مِن طرف قِيادة التَّنْظيم .
أُسُس فِي اَلْعام 2003 الحزْب اللِّيبْراليَّ السُّودانيَّ وَالذِي كان قِيادِيًّا فِيه حَتَّى عام 2016 – أُسُس فِي عام 2017 حَملَة سُودان المسْتقْبل وَكَان مُرَشحهَا لِلانْتخابات الرِّئاسيَّة فِي عام 2002 . نَشِط فِي عدد مِن المنظَّمات المدنيَّة والْحقوقيَّة السُّودانيَّة مِثْل شبكَة المناصْرة لِحقوق الإنْسان والدِّيمقْراطيَّة ( هانْد ) ومرْكز عَلِي عَبْد اَللطِيف لِلثَّقافة ودراسات التَّنْمية ومرْكز سُودان المسْتقْبل لِلتَّدْريب إِلخ .
نَشِط فِي مَجَال التَّواصل مع جَنُوب السُّودان وَقَام بِعدَّة زِيارَات له وأشْرف على تَنفِيذ مَشارِيع تعْليميَّة هُنَاك . كمَا دعم تَأسِيس الحزْب اللِّيبْراليِّ لِجنوب السُّودان وَالذِي يَعمَل حاليًّا تَحْت اِسْم مِنبَر شَبَاب جَنُوب السُّودان اللِّيبْراليِّ وقد تمَّ اِخْتياره أحد رُعَاتِه (Patron ) .
نَشِط فِي الحرَكة السِّياسيَّة الأفْريقيَّة وَحركَة عُمُوم الأفْريقيَّة ( Pan Africanism) . نَاشِط فِي الحرَكة الحقوقيَّة والسِّياسيَّة العالميَّة حَيْث هُو مؤسِّس ومدير مُؤَسسَة الأفْريقيَّة – الأوربِّيَّة بِوارْسو وَمثَّل السُّودان فِي تَحالُف الدِّيمقْراطيِّين العالميَّ (رُومَا) وَشغَل مَنصِب نَائِب اَلرئِيس لِلشَّبَكة اللِّيبْراليَّة الأفْريقيَّة (2012 – 2014) وَهُو عُضْو دَائِم فِي مَجلِس وِسَام الابْتسامة العالميِّ .
عمل بِمجالات التَّعْليم والصِّحافة والْإعْلام والنَّشْر والتَّرْجمة والْبحوث و نَشرَت لَه الصُّحف والدَّوْريَّات ومواقع الإنْترْنت مِئَات المقالات السِّياسيَّة والثَّقافيَّة والتَّاريخيَّة والْفكْريَّة وله عدد مِن اَلكُتب المخْطوطة والْمطْبوعة بِاللُّغة العربيَّة كمَا شَارَك فِي تَألِيف وإعْدَاد ونشْر عدد مِن اَلكُتب والْأوْراق البحْثيَّة بِاللُّغتيْنِ البولنْديَّة والْإنْجليزيَّة كمَا تَرجَم بَعْض الأعْمال الأدبيَّة مِن اَللغَتين البولنْديَّة والْبرْتغاليَّة لِلْعربيَّة.
حصل على جَائِزة وزير الطِّفْل البولنْديِّ ( INFANTIS DIGNITATIS DEFENSORI ) كمَا حصل على وِسَام الابْتسامة العالميِّ. لَه اِبْنَة وَاحِدة ( آَمَاليَا عَبْد العاطي ) حِين أَسقَط مُؤلِّف ” أَعلَام الفكْر السُّودانيِّ ” ، عَبْد الخالق مَحجُوب مِن قَوائِم عَملِه ، اَلذِي أَرَاد لَه الموْسوعيَّة ، فقد تَجاوَز بِذَلك حُدُود التَّقْصير المغْتفر إِلى مزالق الانْكسار المنْهجيُّ . ونسمِّي هذَا الإسْقاط اِنْكسارًا ، لِأَنه خُضُوع فِي أَولِه ومنْتهاه ، إِلى مَنطِق الضَّغْط السِّياسيِّ ، وَالَى دَواعِي الاسْتلْطاف والْكرْه ، اَلشخْصِي أو اَلفكْرِي ، اَلفرْدِي أو المؤسَّسيِّ ، وَالذِي يُنَاقِض كُلُّ اِتِّجاه لِلْموْسوعيَّة أو المنْهجيَّة .
إِنَّ دَواعِي الاسْتلْطاف أو عَدمِه ، وَالتِي يُمْكِن أن تَسُود فِي تَعامُل المرْء مع مَعارِفه ، المرْغوب فِيهم والْمفْروضين عليْه بِواقع ” صديق لَه مَا مِن صداقَته بُد ” ، قد تَجِد تفهُّمًا فِي دَائِرة الحيَاة اليوْميَّة . وَلكِن أن تَتَحوَّل المشاعر الشَّخْصيَّة ، أو عدم الاتِّفاق السِّياسيِّ إِلى مَرجعِية تَحكُّم التَّقْييم اَلفكْرِي ، والتَّاريخ لِإسْهَام الأفْكار ، وحامليهَا مِن النِّسَاء والرِّجال ، فَهذَا فِي ظَننَا ضَعْف مَنهَجِي ، يَصِل إِلى دَائِرة اَلجُنحة الفكْريَّة ، هذَا إِذَا لَم نُبَالِغ ونوصِّله إِلى مَرْحَلة الجناية.
بِهَذا ، فَإِن مُؤلِّف ” أَعلَام الفكْر السُّودانيِّ ” قد خَسِر اَلكثِير ، حِينمَا أَسقَط فِكْر وشخْص عَبْد الخالق مِن مَتْن ذَلِك العمل . ولم يَخسَر عَبْد الخالق قطْعًا بِذَلك الإسْقاط ، فمعايير الرِّبْح والْخسارة قد اِنمحَت قديمًا عِنْد الرَّجل وَهُو يُعَانِق حَبْل المشْنقة ، وَهُو يطير بِأجْنِحة اَلخُلود مُحَلقا فِي أُفُق الشَّهادة ، ضاربًا قَبْل تحْليقه بِأقْدامه اَلقوِية على أَرْض السُّودان الصَّلْدة ، عساهَا تَتَفتَّح يوْمًا لِلْبذْرة اَلتِي رماهَا ، وَسَقاهَا بِالدَّم المسْفوح ، فتنْمو شجرًا وَتورِق زهْرًا وتطْرح ثمرًا .
لَم يَخسَر عَبْد الخالق قطْعًا إِذَا تجاوزه وَاحِد مِن الكتَاب ، أو عَبَّر عَنْه عَابِر مِن المؤرِّخين ، وَهُو فِي قَبرِه لَن يَتَألَّم إِذَا لَم يَحتَرِم فِكْره ونضاله واسْتشْهاده سِياسيٌّ أو صَحفِي مِن عُصُور الانْحطاط ، أو مُمثِّل لِثقافة وسياسة وصحافة الطُّفيْليَّة ، فالْقامات العالية ، حَيَّة كَانَت أُمٌّ مَيتَة ، لَهِي أَكبَر مِن سقط القوْل ودجْل اَلكَذِب وَكذِب الجدل .
لَكِن الخسارة سَتكُون مِن نصيب القارِّيِّ الواعي ، والذَّوْق اَلسلِيم ، والْأَلم سَيكُون مِن نصيب أُولئك الَّذين يروْن فِي الصِّدْق مرْجعًا ومصْدَرًا يَحكُم العمل السِّياسيُّ والتَّقْييم اَلفكْرِي ، وَالذِين يعْرفون بِأنَّ فرْدًا مَا ، أو أنَّ شعْبًا مَا ، لَن يَكسِب اِحْترامًا لِنفْسه إِذَا لَم يَحتَرِم أَقدَار وتضْحيات المناضلين والصَّادقين مِن الرِّجَال والنِّساء فِي تاريخه ، غضُّ النَّظر عن التَّأْييد لِأفْكارهم أو الاخْتلاف مَعهَا .
وَفِي الحقيقة فَإِن شَخصِية عَبْد الخالق مَحجُوب ، فِي سَاحَة الفكْر والسِّياسة والتَّاريخ السُّودانيِّ ، لَهِي مِن الشَّخْصيَّات اَلغنِية اَلتِي دار حوْلهَا اَلكثِير مِن الجدل والاخْتلاف . فمعارضوه قد قَالُوا فِيه مَا لَم يَقُله مَالِك فِي الخمْر ، ومؤيِّدوه قد رَفعُوه إِلى أَفَاق مِن التَّقْدير ، كان فِي حَياتِه يرى فِيهَا نوْعًا مِن عِبادة الفرْد . وَبيَّن المتطرِّفين فِي اَلحُب والْوالغين فِي اَلكُرة تضيع شخْصيَّته الحقيقيَّة كمفكِّر وإنْسَان ، لَه مِن الإنْجاز اَلفكْرِي والشَّخْصيِّ والسِّياسيِّ مَا لَه ، دُون تَبخِيس أو تَجاهُل ، وعليْه مَا عليْه مِن نَواحِي اَلقُصور والْأخْطاء ، مِمَّا على أيِّ فَرْد يَدخُل حَلبَة العمل اَلْعام .
أنَّ هذَا التَّناقض والْجَدل والاخْتلاف فِي تَقيِيم شَخصِية عَبْد الخالق مَحجُوب ، لِيَدل على غِناهَا الثَّرى ، وتفرُّدهَا المتميِّز . أَنَّه دليل أوَّلا وأخيرًا على أَنهَا شَخصِية فَرضَت نَفسُها على اَلجمِيع ، وبالتَّالي فَإِن أيَّ مُحَاولَة موْضوعيَّة لِدراستهَا وتحْليلهَا وَوضعِها فِي مَوضعِها اَلصحِيح فِي التَّاريخ السُّودانيِّ ، تَكُون مُهمَّة ومثيرة وضروريَّة . بل إِنَّه مِن اَلغرِيب أَلَّا تَكُون مِثْل هَذِه المحاولة قد تَمَّت إِلى الآن . إِنَّنا فِي هذَا الكتاب اَلقصِير إِنَّما نَطرُق باب المحاولة ، قد نُصيب أو نُخْطِئ ، وَلكِن يَبقَى لَنَا أَجْر الاجْتهاد إِنَّ أفْلحْنَا أو جَانبِنا الصَّوَاب .
عبد الخالق محجوب: تأملات في أفق المعرفة والشهادة رابط مباشر PDF