تنزيل كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين يذكر الباحثون أن ما صُنف في السيرة النبوية في هذا العصر، يفوق عدداً ما وضعه القُدامى خلال قرون، وهو ما يجعل من هذا “الجنس” الجامع ظاهرة ثقافية بارزة في الإجتماع العربي والإسلامي الحديث.
لا ريب في أن هذه الظاهرة الثقافية في حياة العرب والمسلمين المحدثين تستأهل تفسيراً، من أجل الوقوف على سر هذه العودة القوية إلى السيرة النبوية، مع وفرة ما كُتب فيها قديماً وأغلبه مطبوع، ومغنٍ في عرض حياة محمد. لقد حظيت علوم إسلامية أخرى بدراسات وفيرة ترصد طرائق المحدثين في التعامل معها، فأُفردت بحوث لمكانة الحديث النبوي في الفكر الإسلامي الحديث، وأخرى لاتجاهات التفسير في العصر الحديث، بل لعله حاز أوسع اهتمام. أما السير النبوية الجديدة فلم تحظَ على كثرتها بالقدر نفسه من الدرس، وما أُنجز حولها من بحوث يكاد يقتصر على بعض مؤلفات الكتّب العرب المصريين، هيكل وطه حسين والعقاد وغيرهم … وعلى هذا النحو تُركت السير التي صنعها الشيعة المحدثون، والنصاري العرب، وهي تصانيف تباين نمط السير الرائجة التي تتخذ من المصادر السنية القديمة عمدة.
إن انعدام دراسة وافية لمدونة السيرة الحديثة، كان باعثاً محفزاً على هذا البحث. وسيدرك القارىء أن تلك المدونة على حظ كبير من الغناء، لا يختصره أنموذج منها مهما جلّت قيمته، بل يرد الدرس شيئاً من السير السائرة المشهورة إلى كتب مخملة، فننصف الطائفتين. وقد اقتضى توسيع المدوّنة أن نوسع الفترة المدروسة مراعاة للتنوع، لا يتشابه دائماً، ويكفي ههنا أن نشير إلى اثر ثورة يوليو 1952 في السير النبوية التي كُتبت بمصر في العقدين السادس والسابع من القرن العشرين.
وقد التزمنا في هذا البحث أن ندرس كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين، دون الشعر الحديث في النبي محمد، تقيّداً بمفهوم الكتابة في الثقافة العربية، إذ هي إحدى رُكني الصناعتين (العسكري: كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر)، ولأن هذا الشعر حظي بأكثر من دراسة وافية، مثلما سيتضح في تقويم دراسات المحدثين للسير الجديدة. لكنّا لم نعرض عن الشعر كلية، بل استأنسنا به في إبراز الإتجاهات الحديثة إلى كتابة السيرة النبوية. وليست غايتنا في إنجاز بحث يهفو إلى الإحاطة بتآليف المحدثين في باب السيرة النبوية بالهينة إدراكها، فالفترة التي توسم بصفة “الحديث” طويلة، تشمل القرن التاسع عشر والعشرين، إذا اعتبرنا الحقبة المعاصرة جزءاً من التاريخ الحديث. فاخترنا قرناً يبدأ مع العقد الثامن من القرن التاسع عشر، وينتهي مع العقد الثامن من القرن العشرين، وهي المرحلة التي إليها تُعزى النصوص التي درسنا، وهي فترة من الزمن تمثل جنان التاريخ الحديث، وقد جاءت خصيبة بألوان من السير النبوية.كتاب ممتع للغاية
كتابة السيرة النبوية لدى العرب المحدثين رابط مباشر PDF