تنزيل ما قبل النهاية وما بعدها كاتب وشاعر مصريالْحَمْدُ للِّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
ثمَّ أمَّا بعدَ،
فإنَّ العالمَ بصورتِه التي نعرفُها في سبيلِه إلى الانتهاءِ والفناءِ، في موعدٍ معلومٍ عندَ اللهِ، مجهولٍ لمن عداه، لكنَّه عزَّ وجلَّ جعلَ للنهايةِ علاماتٍ، يستدلُّ بها المؤمنُ على اقترابِ الوعدِ الحقِّ، ويقوى بها إيمانُه باللهِ العظيمِ، وبرسولِه الكريمِ صلى الله عليه وسلم، وهذه العلاماتُ تنقسمُ إلى صغرى وكبرى، أمَّا الكبرى فهي عشرةٌ باتِّفاقِ الجمهورِ، بينما تبقى الصغرى غيرَ محصورةٍ، توسَّع فيها البعضُ، حتَّى إنَّهم ألحقوا بها ما ليسَ فيها، وأدخلوا عليها ما ليسَ منها، فعمدُ بعضُهم إلى ما أخبرَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه يقعُ بعدَه، وجعلوه من علاماتِ السَّاعةِ، على الرغمِ من خلوِّ النَّصِّ من هذا المعنى، كأن يقولَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما معناهُ: يكونُ أقوامٌ بعدي يفعلونَ كذا وكذا، وهذا من دلائلِ صدقِ نبوَّتِه وإخبارِه بحوادثِ المستقبلِ، لكنَّه مادامَ لم يُشر إلى أنَّها من علاماتِ السَّاعةِ فلا نقولُ إلا ما قالَ به رسولُ اللهِ دونَ تأويلٍ ولا تعديلٍ؛ لذا فقد اقتصرنا على ما ثبُتَ صحيحًا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما أشارَ صريحًا لعلامةٍ من علاماتِ القيامةِ، معَ الاحترازِ عن الخوضِ في بعضِ المسائلِ الخلافيَّةِ التي لم يرجِّح العلماءُ إحدى كفَّتيها.
ثمَّ نشرعُ بعدَ تفصيلِ العلاماتِ في ذكرِ مشاهدِ القيامةِ، وإن سألَ سائلٌ كيفَ يُخبرُ اللهُ بما يقعُ قبلَ أن يقعَ، وحتى قبلَ أن يأتي زمانُه؟
فنقولُ إنَّ الزمنَ مخلوقٌ من مخلوقاتِ اللهِ، يُجريه كيفَ يشاءُ ولا يجري عليه، فأنت مثلًا إن كانَ لكَ من العمرِ أربعونَ عامًا، فأنتَ عالقٌ في خطِّ الزمنِ عندَ النقطةِ أربعينَ، وعلمُكَ محصورٌ فيها، لا تدري ما يكونُ بعدَها، ولا تدري حتى هل تبلغُ ما بعدَها أم لا، أمَّا اللهُ فهو يرى خطَّ الزمنِ رؤيةً شموليَّةً، فهو يراكَ وأنت في العاشرةِ ويراكَ وأنت في العشرينَ وفي الأربعينَ وفي الخمسينَ وعندَ موتِكَ، وعندَ حسابِكَ في نفسِ اللحظةِ.
الأمرُ كأنَّ أحدًا يشاهدُ فيلمًا، فهو محصورٌ في المشهدِ الذي يراه، ولا يعلمُ ما يكونُ بعدَه، فعلمُه قاصرٌ على ما يحدثُ الآن، وما بعدَه غيبٌ مجهولٌ، فهو أسيرُ اللحظةِ الزمنيَّةِ التي يعيشُها، على نقيضِ من يشاهدُ نفسَ الفيلمِ على حاسوبِه، وبإمكانِه بضغطةٍ بسيطةٍ أن يرى ما يحدثُ بعدَ عشرِ دقائقَ، أو بعدَ عشرينَ دقيقةٍ، أو حتى ما يحدثُ في نهايةِ الفيلمِ، فهذا يتحكَّم في زمانِ الفيلمِ بما له من قدرةٍ عليه، وللهِ المثلُ الأعلى، وعليه فإنَّ إخبارَ اللهِ بمشاهدِ يومِ القيامةِ ليسَ تقديرًا ولا توقُّعًا، إنَّما هو علمُ اليقينِ، بل عينُ اليقينِ.
ثمَّ ننتهي إلى وصفِ الجنَّةِ والنَّارِ، ومعرفةِ درجاتِ المتقينَ الأبرارِ، ودركاتِ المجرمينَ الكفرةِ الفجَّارِ، معتمدينَ على ما وردَ في القرآنِ وما صحَّ من أحاديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سائلينَ اللهَ التوفيقَ والمنَّةَ، وأن يرزقَنا برحمتِه الجنَّةَ، واللهُ من وراءِ القصدِ وهو نعمَ المولي ونعمَ النصير،
ما قبل النهاية وما بعدها رابط مباشر PDF