تنزيل من الجنس الأدبي إلى النوع الفيلمي سيناريست وكاتبةلا خلاف على أن الشعر يعد من أقدم الفنون اللغوية التى عرفتها البشرية منذ أمد بعيد، على الرغم من أن الإنسان قد بدأ حديثه نثرًا. وقد استخدم الإنسان الشعر لتسجيل الأسماء والأحداث بالإضافة إلى حاجته لتأكيد وجوده في عالم تحيطه الألغاز والقوى الطبيعية القاسية من برق ورعد ورياح وما غيرها حيث أن الأناشيد الأولى كانت تناديها بأسمائها، وكأن الإنسان الأولى كان يريد أن يسترضيها أو يستأنسها. ومع تطور المجتمع البشرى وانتشار الإنسان فى بقاع الأرض بالإضافة إلى تعدد الديانات فى الثقافات المختلفة، نشأت الأناشيد الدينية والحماسية والقصصية. من الملاحظ أنه كلما ارتقت الأمم، ارتقى معها فن الشعر إلى أن وصل إلى إعداد بناء فنى طويل ألا وهو الملحمة الشعبية ( أو ما يٌعرف بالملحمة الأولية)، والتى تعد من أقدم الصور الشعرية الكاملة التى وصلتنا من العالم القديم.
ومع مرور الحضارات بالعديد من التجارب المتباينة من نهضة حضارية أو أفول، ولدت أشكال أدبية متنوعة ومختلفة، لكل منها تقاليدها الخاصة بها بينما يظل الشعر الركيزة الأساسية داخل الكيان الأدبى. ومن ثم بدأ تصنيف هذه الأشكال الأدبية بناءًا على البنية الداخلية لها، مستمدة تقنياتها وتقاليدها ومبادئ تنظيمها من أعمال رفيعة، يأخذها الكاتب في الحسبان عندما يكتب نصوصه. ذلك أن التزام الكاتب بهذه التقاليد لا يعنى أنه يزيف من أحاسيسه أو تجربته الشعورية، بل يتبع الوسائل التى أثبت أسلافه قدرتها على تصوير التجارب الشعورية وتجسيدها بصدق، وبالتالى قدرتها على التأثير بالطريقة التى يسعى إليها. أما بالنسبة إلى التمرد على هذه التقاليد، فلا يمكن ترجمته إلى هدمها أو عدم جدواها بل على العكس قد تعنى أن الكاتب يريد أن يضيف جديدًا بناءًا على رؤيته الخاصة، ومن المحتمل أن تستمر عبر العصور المختلفة، وقد يتم محوها إذا لم يتم استخدامها من بعده. ونستخلص مما سبق أن الأفكار الجديدة لا تلغى السابقة بل تضيف إلى كيان الفن الإنسانى.
تتداخل التقاليد مع الرؤية الخاصة للكاتب حيث يمكن أن يحاكي شكلًا من الأشكال القائمة في مجتمعه حيث تتوفر لديه الاختيارات فى اتباع مناهج السابقين المتنوعة، وينعكس ذلك على الموضوع والشكل. فمن خلال اختياره للجنس الأدبى، يمكن أن ينقل رؤيته الفنية والإجتماعية والسياسية عبر العمل الأدبى الذى يجسدها. وفى المقابل، نجد أن القارئ العادى لديه معرفة سابقة بطبيعة الجنس الأدبى الذى يقدم عليه نتيجة تراكم قراءته على مدار حياته، وبالتالى يرسم آفاق توقعاته وفقًا لما يقرأه. فى حين إذا وجد الكاتب أن هذه التقاليد لا تلبى احتياجات خياله، ولا تقدم له العون الذى يمكنه من نقل رؤيته، فيثور عليها ويستكشف أخرى تناسبه، وهذا لا ينتقص من إبداعه بل يزيد العملية الإبداعية إثراءً.
ومع ظهور فن السينما، هذا الفن الحديث الذى استمد الكثير من خصائصه من الفنون الأخرى، نجد أن أن أفلام النوع تتكون من أنظمة محددة من التوقعات والفرضيات التى يجلبها المشاهدون معهم إلى السينما، حيث يتفاعلون معها أثناء عملية المشاهدة. بالنسبة لمنتجى الأفلام، فالنوع يعد نموذجًا حيث يقدم افتراضات حول من هو الجمهور، وكيفية التسويق لهذا الجمهور المحدد. بالإضافة إلى تعويض المخاطر الإقتصادية الكبيرة لإنتاج الأفلام ذات الميزانيات الضخمة عن طريق توفير ضمانات معرفية ضد الإبتكار والإختلاف. بمعنى، عندما تصبح الأنواع كلاسيكية، يمكن حينها أن تمارس تأثيراً هائلاً من حيث الإنتاج السريع بالإضافة إلى ثقة صناع الأفلام للنجاح من خلال اتباعهم للتوليفات المختصرة كما لديهم ملخصات جاهزة للعمل بها. ويمكن تصنيف الممثلين في الأنواع على حسب “جودة النجوم”، وذلك عندما تناسب سلوكياتهم وصفاتهم الجسدية وطريقة حديثهم وتصرفهم أسلوبًا معينًا من النوع.
من الجنس الأدبي إلى النوع الفيلمي رابط مباشر PDF