تنزيل وجيز.. التاريـــخ العلمي الطبي البشري شهادة دكتور في الطب البشري (M.D) كلية الطب البشري، جامعة دمشق، 1985م.
طبيب أخصائي في امراض الأذن والأنف والحنجرة والرأس والعنق وجراحتها،1989م.
ليسانس ودبلوم وماجستير في الدراسات العربية والإسلامية، 2008م
– 2009م -2011م.
شهادة البورد السوري باختصاص أمراض الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها،1440هـ- 2019م.
طبيب أخصائي استشاري وباحث علمي ومحاضر ومؤلف وناشر لعشرات الكتب ومئات المقالات والمحاضرات والدراسات والحوارات والندوات والمؤتمرات العلمية والطبية العامة والتخصصية.. في مختلف المواضيع المتنوعة.لقد انطلقت الحضارة العربية الإسلامية عند نزول كلمة اقرأ حيث انتقل العربي إلى عالم الأفكار والابتكار بواسطة بناء العقلية النقدية التغيرية الرافضة للعقلية الآبائية التقليدية، والباحثة في آيات الأفاق الكونية والطبيعية وآيات الأنفس البشرية في الحياة الاجتماعية عبر الزمان وتراكم المعارف والمعلومات، من أجل اكتشاف القوانين والسنن الناظمة لحركة الإنسان التاريخية التي تتمظهر بصعود وسقوط الأمم وتداول عزّ الأيام بين الناس بالإضافة إلى ابتكار النظريات العلمية وهندسة القوانين الفيزيائية التي تفسر الظواهر الطبيعية والكونية بحيث يسهل تسخيرها لمصلحة الإنسان.
فأول ما أنزل على هذه الأمة من كتاب الله الكريم، الأمر الدائم بالقراءة المستمرة اقرأ لكتاب الله الخاتم ولهذا الكون وكل من فيه وما فيه، وهذا ما فسرته الآية القرآنية الكريمة :
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ فصلت53.
فالأمر المستقبلي سَنُرِيهِمْ يدل على الإبداع الدائم والابتكار المستمر لتحقيق السمو المتصاعد حضارياً وثقافياً وتقنياً وعلمياً، وبالتالي إن توفير كل ما يلزم العملية التعليمية والإبداعية من شروط مادية عمرانية ومعنوية تشجيعية ومؤسسات وكوادر بشرية، هو فريضة شرعية وضرورة حضارية، يأمر بها القرآن الكريم كل الأجيال لتحقيقها ليصلوا إلى خير أمة أخرجت للناس.
لقد أنجبت حضارة الإسلام الكثير من العلماء، من أمثال: البيروني والحسن ابن الهيثم، وأبي بكر الرازي، وأبي القاسم الزهراوي، وابن سينا وأبي حيان التوحيدي، والخوارزمي، وابن النفيس ..
لقد عرف الأوربيون كتاب: (الكليات) لابن رشد، ودرسوا كتب أبي بكر الرازي، وموفق الدين البغدادي، وابن النفيس الذي توصل تجريبيا وتشريحيا إلى اكتشاف الدورة الدموية الصغرى قبل هارفي الإنجليزي وسارفيتوس الأسباني بعدة قرون، ودرسوا وطوروا علم الجراحة بفضل علماءنا العرب مثل الرازي، وتتلمذوا على يد أبي القاسم الزهراوي الذي يعتبر أول طبيب جراحي عالمي في التاريخ البشري، وألف أهم مرجع اكاديمي كبير جراحي نظري وعملي ويدعى (التصريف لمن عجز عن التأليف) وهو موسوعة طبية في ثلاثين جزءاً مزودة بوصف (أطلس) الآلات والأدوات الجراحية وكيفية استخدامها في إجراء مختلف العمليات الجراحية وتكنيكها مثل الجراحة العصبية والعظمية والنسائية والتوليد والبولية والأذنية والعينية ..
وظل يدريس في كليات الطب في الجامعات الأوروبية لعدة قرون، وإذا رغب بعض الانهزاميين المقلدين للغرب في البحث عن هذه العبقرية العلمية، وكانت لديه الرغبة الصادقة في الاعتزاز بانتمائه لثقافته وحضارته وعدم التمادي في جلد الذات، فإنني اقترح عليه ألا يبحث عن اسم أبي القاسم، بل يبحث من اليسار إلى اليمين عن اسم (Abulcasis) الذي يعتز به غيرنا أكثر من اعتزازي بني جلدته وعقيدته به .
تعالوا نقرأ سطوراً مما كتبت زيجريد هونكه في كتابها (الله ليس كذلك): (لقد صار العالم العربي- في قرون التخلف الوسطى للغرب- هو مؤسس علوم الكيمياء العضوية، ولم يتردد في امتحان الفروض اليونانية وإخضاعها لمعايير النقد العربية التجريبية، وكان معظمها لا أساس له سوى التخمين، وصوبوا مئات ومئات من تلك الفروض العلمية الخطأ، ومنها أخطاء جالينوس التي صوبها الطبيب عبد اللطيف أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي، وفساد نظريته حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز بالقلب، وصححها ابن النفيس الذي بين أنها خيال محض وصوبها باكتشافه الدورة الدموية الصغرى، وأخطاء إقليدس وبطليموس الزاعمة أن العين ترى بتسليط نورها على المرئيات، بالتصويب العبقري لعالم البصريات الحسن بن الهيثم الذي وضع نظريات وقوانين عديدة في عالم البصريات مقدماً لأوروبا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي يقوم عليها استخدام العدسات والمجاهر وجميع أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك، إن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيمائيين ورياضيين وفلكيين ومخترعاتهم الفنية هطلت على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قروناً، وخصبها من نواحٍ متعددة، لقد قدموا البواعث التي أشعلت الشرارة الأولى لإطلاق البحث العلمي الذي كان منذ القرن التاسع الميلادي مشلولاً يكاد يموت خنقاً، وذلك بسبب عدم السماحة الكنسية، والملاحقة والمنع والتحريم الذي فاق كل حد).
إن معظم علماء الغرب لم ينسبوا إلى المسلمين نظرياتهم وأبحاثهم، بل لقد انتحلها وسرقها معظمهم لنفسه دون إشارة لدور علماء المسلمين، أضف إلى هذا أن كثيراً من الألفاظ والاصطلاحات العربية في العلوم وغيرها تسربت إلى لغاتهم كاشفة سبق المسلمين وريادتهم في كثير من المجالات.
-الإبداع .. فريضة شرعية وضرورة حضارية :
علاقة الإبداع بالازدهار الحضاري عبر الزمن: إن الافتخار بالمنجزات العلمية للحضارة العربية الإسلامية لن يلغي تخلفنا ويقضي على عجزنا، فلابد أن يكون حافزاً لنا لتجاوز هذا التخلف الرديء بواسطة مواجهة حقيقية مع مشاكلنا الراهنة حيث أن هناك امتداداً للماضي في الحاضر، ولكي يعلم العالم أجمع أن بيئتنا العربية والإسلامية رغم كل التحديات الخارجية والصعوبات الداخلية وتكالب وتحالف أعداء الإنسانية والحياة والبيئة لتدميرها ونهبها ونشر الفوضى الكارثية والإرهاب الوحشي.. خصبة قادرة على أن تنتج فروعاً كالأصول تغذي شجرة الحضارة والثقافة والحكمة (الفلسفة) والعلم والمعرفة والتقنية وتساهم في العمران الأرضي الإنساني تمهيداً للاستيطان الكوكبي والكوني ..
إن قصة أمتنا العربية والإسلامية مع الإبداع والابتكار والاجتهاد هي قصتها مع الحضارة صعوداً وهبوطاً، ازدهاراً وانحطاطاً، وإبداعاً وجموداً ..
والباحثون في تاريخنا الفكري والحضاري يلاحظون ازدهار الإبداع (ع) مع ازدهارنا الحضاري (ض) عبر الزمن (ز)، فهناك علاقة طردية بينهما.
فالإبداع هو الذي يتيح لعقل الأمة أن تنتج الازدهار والسمو الحضاري والتنوع
الفكري والفلسفي والتقدم التقني العلمي.
(ع) = تا (ض) الإبداع تابعاً طردياً للتطور الحضاري .
(ع) = تا (ز) الإبداع تابعاً طردياً للزمن .
ع = تا ( ض ) + تا ( ز )
ونلاحظ أن (ع) ≠ 0، بمعنى لا يمكن منطقياً ورياضياً وعقلياً وعملياً إيقاف الإبداع
أبداً لأنه مرتبط بتغير الزمن الطبيعي عبر العصور، ومنطقياً الزمن ≠ 0 وإنما متقدم ومتحرك باستمرار ومرتبط نسبياً بحركة الكرة الأرضية المحورية والانتقالية في المجموعة الشمسية، كما أن التطور الحضاري في مجتمع ما ≠ 0 أبداً مهما كان المجتمع متخلفاً، فلابد من عدة أفراد فيه أو فرداً يملك أفكاراً علمية متقدمة أو يبتكر آلات مناسبة لتطور مجتمعه ولكن البيئة الاجتماعية العامة لا تقدم الفرصة للمبدعين في الظهور ولا تمنحهم الدعم المادي أو المعنوي، وبالتالي فإن الإبداع (ع) ≠ 0 أيضاً، ونلاحظ كلما زاد الإبداع كلما زاد التطور الحضاري عبر الزمن، فالعلاقة طردية بين الازدهار الحضاري والإبداعي في المجتمعات.
إننا نبحث هنا عن الإبداع رياضياً بمعناه الواسع الشامل لكل مجالات الحياة والعلوم والمجتمعات، ولا يقتصر على الجانب العلمي أو الفكري فقط، وإنما يضم جميع الطرق والآليات الفكرية التي تبدع وتطور المجتمع وتنقله من حالة حضارية معينة ذات شروط اجتماعية واقتصادية وثقافية متأخرة إلى حالة حضارية متطورة ومتقدمة وقادرة على التعارف والتعاون والتنافس على المستوى العالمي، وتكمن ضرورة وأهمية الإبداع الحضارية في المواجهة الفاعلة إيجابياً لتحديات الواقع المعاصر المحلي والدولي بحيث تساهم رموز وأفكار الإسلام في صياغة معادلة التقدم لصنع المستقبل العربي الإسلامي الحضاري وتأكيد الأبعاد الإنسانية والفعالية المعرفية في شتى المجالات الحياتية، ولا يكفي الافتخار بالماضي لتبرير عجزنا العلمي وكسلنا الاجتماعي، فمن افتخر بموتى أسلافه فهو الميت وهم الأحياء، أو حسب قول البيروني:
إذا المـرء لم ينهـض نفسه إلى العلا فليـس العظام البـاليات بمفخـر فلماذا لا نجد بيننا في واقعنا المعاصر مؤرخاً كالطبري؟ أو مفسراً للقرآن الكريم مثله وكاتباً موسوعياً كالأصفهاني، وأديباً وكاتباً متعدد المواهب مبدعاً كالجاحظ، وباحثاً في الأحاديث، ودارساً لها كالشافعي، وطبيباً وفيلسوفاً وعالماً كابن سينا، وفيلسوفاً وفقيهاً كابن رشد، وعالماً بالاجتماع والسياسة كابن خلدون وفلكياً ورياضياً ومخترعاً وراصداً كابن الشاطر الدمشقي الذي وضع نظرية مركزية الشمس وبرهن رياضياً على دوران الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية حول الشمس، ومبدعاً ومبتكراً للمنهج العلمي والتجريبي الاستقرائي والنظريات الفيزيائية البصرية والضوئية والنظرية الجسيمية للضوء، كابن الهيثم، فهل يتعلق هذا بانعدام المبدعين أو بالواقع الاجتماعي؟ فكيف نفسر أن جامعاتنا ومعاهدنا ومؤتمراتنا تمتلئ بألاف المفكرين والكبار من بينهم، ومن غير أن نتمكن من الخروج على العالم كله بفكرة أو فلسفة خلاقة وحيوية ومضيئة وعالمية، وذلك ضمن واقعنا الحضاري في بلادنا العربية، بينما عندما تصبح بيئتهم الحضارية إيجابية كما في بعض الدول الإسلامية والأوروبية فانهم يبدعون ويبتكرون ويخترعون في مختلف التخصصات العلمية النظرية والتطبيقية والتقنية والمعرفية والمعلوماتية ..
إنها ضخامة الألقاب وهشاشة الأفكار وقلة الابتكار، إن هذا القصور العلمي والإنتاجي والمعرفي والموسوعي والتقني.. يعود إلى انعدام الفاعلية الاجتماعية المرتبطة بنوعية عالم الأفكار عند الشخص، فعندما تكون الأفكار حية وحيوية ضمن العقلية النقدية التغييرية التي يسعى الإسلام لبنائها وتطورها رافضاً العقلية الآبائية التقليدية، فإن هذا الأمر الحضاري قادر على بناء عالم الأفكار الصحيح في الأنساق الاجتماعية والسياسية والادارية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وبالتالي الدعم الاجتماعي الحضاري للمبدعين لكي يظهروا وينشروا أفكارهم واختراعاتهم على المستوى العربي والإسلامي والعالمي. .
يعـيب الناس كلـهم الـزمانا وما لـزماننا عيب سوانـا
نـعيب زمـاننا والعـيب فينا ولو نطـق الـزمان بنا هجانـا
يأتي هذا الكتاب ونحن في عصر القرن الواحد والعشرين حيث نعتقد بإنه سوف يتميز بما يلي:
1- عصر هندسة الشخصية نفسياً واجتماعياً وحتى ثقافياً وجسمياً باتجاه مصلحة الأقوى علمياً وتكنولوجياً.
2- عصر طوفان المعلومات وثورة الاتصالات بحيث تصبح الكرة الأرضية قرية صغيرة تعتبر مركزاً للانطلاق للفضاء الخارجي لسبر الكون الفسيح حولنا.
وإذا أردنا نحن في العالم العربي والاسلامي أن يكون لنا وجود فعال وحيوي وحضاري في هذا القرن علينا الالتزام بالحكمة بعناصرها الخمسة: المعرفة والخبرة والايمان والابداع والسلوك الحي العَدْل, حيث إن المعرفة مقدرة والخبرة قوة والايمان دافع وموجه والابداع مطّور والسلوك العَدْل منفذ، ليس فقط على مستوى الفرد وإنما على مستوى المجتمع والأمة ككل.
بالاضافة إلى التركيز على مبدأ التطور الحضاري بأن المرحلة الحضارية الحالية لمجتمع ما هي نتيجة لما قبلها وسبباً لما بعدها.
وهذا الأمر يحتم إنشاء مراكز بحث للدراسات الاستراتيجية والحضارية ومؤسسات علمية تعنى باجراء الدراسات العلمية والعملية المختلفة والابحاث النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والادارية والكونية والفضائية والعسكرية والمعلوماتية والمستقبلية.., بحيث نتمكن ليس فقط أن نقف موقف الندّ للحضارة الغربية وغيرها وإنما نستطيع أن نكتشف اسلوباً حضارياً نقود فيه موكب الانسانية لخير وسلام العالم كله.
وهذا الكتاب جاء كخطوة متواضعة في سبيل نهضة الأمة على المستوى العلمي والتقني والثقافي والفلسفي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعلوماتي والصناعي.. بحيث نتمكن من بناء وعمران حضارتنا الإنسانية العالمية الكونية وفق الخصوصية الثقافية والعقائدية لنا لنستطيع ليس فقط أن نواجه بل نوجّه التحدي العالمي الحالي وفقاً لأهدافنا الاستراتيجية لأنه عندما تسد الصخور طريقنا الحضاري فلأننا ضعفاء بينما عندما نكون أقوياء فأننا نرتكز عليها لنصل إلى القمة والمجد.
والله الحكيم العليم الخبير العزيز القوي العدل السلام الرحيم الجبار القهار.. الموفق.كتاب هام جدا وقيم جدا للجميع ولكل العالم جزاكم الله خيرا
وجيز.. التاريـــخ العلمي الطبي البشري رابط مباشر PDF