تنزيل كتاب-زاد-المعاد-في-هدي-خير-العباد-¦-أفضل-طبعة-pdf مهتم بالكتب والخدمات الالكترونيةأَبُو عَبْدِ الله شَمْسُ الدَّينَ مُحَمَّدُ بْنْ أَبِي بَكرِ بْنْ أَيُّوبَ بْنِ سَعْدِ بْنِ حرَيزْ الزُّرْعِيَّ (691هـ – 751هـ/1292م – 1350م) المعروف باسم “ابْنِ قَيَّمِ الجُوزِيَّةِ” أو “ابْنِ القَيَّمِ”. هُوَ فقيه ومحدّث ومفسَر وعالم مسلم مجتهد وواحد من أبرز أئمّة المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن الثامن الهجري. نشأ ابن القيم حنبليّ المذهب؛ فقد كان والده “أبو بكر بن أيوب الزرعي” قيّماً على “المدرسة الجوزية الحنبلية”،(1) وعندما شبَّ واتّصل بشيخه ابن تيميّة حصل تحوّل بحياته العلمية، فأصبح لا يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء في المذهب الحنبلي إلا عن اقتناع وموافقة الدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، ولهذا يعتبره العلماء أحد المجتهدين.

وُلد ابن القيم سنة 691 هـ المُوافِقة لسنة 1292م، فنشأ في مدينة دمشق، واتجه لطلب العلم في سن مبكرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية، وقد كان ابن تيمية أحد أبرز شيوخه، حيث التقى به في سنة 712هـ/1313م، فلازمه حتى وفاته في سنة 728هـ/1328م، فأخذ عنه علماً جمّاً واتسع مذهبُه ونصرَه وهذّبَ كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريباً. وقد تولى ابن قيم الجوزية الإمامة في “المدرسة الجوزية”، والتدريس في “المدرسة الصدرية” في سنة 743هـ.

سُجن ابن القيم مع ابن تيمية في شهر شعبان سنة 726هـ/1326م بسبب إنكاره لشدّ الرحال لزيارة القبور، وأوذي بسبب هذا، فقد ضُرب بالدرة وشُهِّر به على حمار. وأفرج عنه في يوم 20 ذو الحجة سنة 728هـ وكان ذلك بعد وفاة ابن تيمية بمدة. ويذكر المؤرخون أنه قد جرت له مشاكل مع القضاة منها في شهر ربيع الأول سنة 746هـ بسبب فتواه بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل. وكذلك حصلت له مشاكل مع القضاة بسبب فتواه بمسألة أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة. وتوفي في 13 رجب سنة 751هـ وعمره ستون سنة، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق.

سار ابن القيم على نهج شيخه ابن تيمية في العقيدة، كما كان له آراء خاصة في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغير ذلك من المسائل. واشتهر بمؤلفاته في العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو بالإضافة إلى القصائد الشعرية.

كان لابن قيم الجوزية تأثير كبير في عصره، فيشير المؤرخون إلى أخْذ الكثيرين العلمَ على يديه. وكذلك برز أثره إلى جانب شيخه ابن تيمية في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي في وقت لاحق، فكانت حركة محمد بن عبد الوهاب التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري امتداداً لدعوة ابن تيمية، وكان محمد بن عبد الوهاب يعتني اعتناء كاملًا بكتبه وكتب ابن القيم، وكذلك الحال بالنسبة لمحمد رشيد رضا. وفي شبه القارة الهندية برز أثر كتبهما أيضاً في عديد من طلبة العلم ونُشرت كتبهما على أيدي العلماء هناك.

بداياته
هو: «أَبُو عَبْدِ الله شَمْسُ الدَّينَ مُحَمَّدُ بْنْ أَبِي بَكرِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سَعْدِ بْنِ حرَيزْ بْنِ مَكيّ زِينْ الدِيّنْ. » الزُّرْعِيَّ نسبة إلى مدينة زرع (وهي تسمى اليوم إزرع) ثم الدَّمَشْقِيَّ الْحَنْبَلِيَّ. وقَد جاء في كتاب «التاج المكلّل» لصديق خان القنوجي نسبته «الدرعي»، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن هذا خطأ ولعله تطبيع، وجاء في كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير الدمشقي نسبة والده «الذرعي»، ويذكر أبو زيد أيضًا أن هذا خطأ ولعله تطبيع.

اشتهر شمس الدين محمد بلقب ابن قيم الجوزية ويُختصر فيقال ابن القيم، وتتفق كتب التراجم أن سبب شهرته بهذا الاسم هو أن والده «أبا بكر بن أيوب الزرعي» كان قيمًا على «المدرسة الجوزية»(1) الواقعة بمدينة دمشق مدةً من الزمن، فاشتهر بعد ذلك بلقب «قيم الجوزية» واشتهرت من بعده ذريته بهذا الاسم. وقد درج المترجمون له وفيهم تلامذته على هذا الاسم «ابن قيم الجوزية». ومنهم ابن رجب الحنبلي والصفدي وابن كثير والذهبي. واختصار اسمه بقول ابن القيم فهو شائع والأكثر اشتهارًا اليوم. وقد كان مشهوراً عند بعض العلماء المتأخرين كابن حجر العسقلاني وجلال الدين السيوطي.

عائلة “آل القيم” عائلة علمية، فوالده هو “أبو بكر بن أيوب بن سعد الزرعي” الذي كان قيّماً على «المدرسة الجوزية» بدمشق، وقد كان هو نفسه أحد معلمي ابنه وشيوخه، فقد أخذ منه ابنه ابن القيم علم الفرائض. وأخوه هو “أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي” ولد سنة 693هـ أي أنه أصغر من ابن القيم بنحو سنتين، وقد كان هو الآخر عالماً، وقد كان ابن رجب أحد تلامذته، وقد تفرّد بالرواية عن شيخه “الشهاب العابر”. ومن عائلته أيضًا ابن أخيه “عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن” الذي اقتنى أكثر مكتبة عمه ابن القيم، وتوفي سنة 799هـ. ومن أبنائه الذين تُرجم لهم، ابنه “شرف الدين، وجمال الدين عبد الله” وقد كان عالماً وخطيباً، وقد درَّس في المدرسة الصدرية عقب وفاة والده، توفي شاباً في سنة 756هـ وعمره ثلاث وثلاثون سنة. وابنه “برهان الدين إبراهيم”، وقد أفتى ودرَّس بالمدرسة الصدرية، وقد كان عارفاً بالنحو وله شرح لألفية ابن مالك سماه “إرشاد السالك إلى حل ألفيّة ابن مالك”. وكانت وفاته سنة 767هـ.

تتفق كتب التراجم على أن ابن القيم ولد في سنة 691هـ/1292م، وقد حدّد يوم ولادته بالتحديد «صلاح الدين الصفدي» في كتابه «الوافي بالوفيات» فبين أن ولادته في يوم 7 صفر سنة 691هـ الموافق ليوم 28 يناير 1292م. وقد تابعه على ذلك «الداودي»، و«جلال الدين السيوطي»، و«ابن تغري بردي».

لم تصرّح جُلُّ المراجع بمحلّ ولادة ابن القيم هل هي في مدينة إزرع أم في مدينة دمشق، إلا أن «عبد الله بن مصطفى المراغي» صرح بذلك في كتابه «الفتح المبين في طبقات الأصوليين»، فذكر أنه ولد في مدينة دمشق. ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن المترجمين يذكرون في ترجمة ابن القيم وفي ترجمة والده «الزرعي الأصل ثم الدمشقي» وأن معنى هذا اصطلاحهم في هذا التعبير قد يريدون به محل الولادة ثم محل الانتقال للمُترجم له، وقد يريدون أنّ والده أو أجداده مثلاً من هذه البلدة ثم صار الانتقال إلى الأخرى.

شرع ابن القيم في طلب العلم في سن مبكرة وعلى وجه التحديد في السابعة من عمره كما يذكر المؤرّخون. سمع من عدد كبير من الشيوخ، منهم والده «أبو بكر بن أيوب» فأخذ عنه الفرائض، وأخذ عن «ابن عبد الدائم»، وعن «أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية» أخذ التفسير والحديث والفقه والفرائض والأصلَين: (أصول الدين وأصول الفقه)، وعلم الكلام، وقد لازمه منذ قدوم ابن تيمية إلى مدينة دمشق سنة 712هـ/1313م حتى توفي سنة 728هـ/1328م، وعلى هذا تكون مدة ملازمته ودراسته على ابن تيمية سبعة عشر عاماً تقريباً، وذكر صلاح الدين الصفدي جملة من الكتب التي قرأها ابن القيم على ابن تيمية فقال: «قرأ عليه قطعةً من المحرر لجدّه المجد» وقرأ عليه من المحصول، ومن كتاب الأحكام للسيف الآمدي، وقرأ عليه قطعة من الأربعين والمحصل، وقرأ عليه كثيراً من تصانيفه».

وسمع من «الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن النابلسي» في سنٍ جدّ مبكرة، في السادسة أو السابعة من عمره. وعن «ابن الشيرازي» الذي لم يذكر المترجمون نسبه، فيذكر بعضُهم أن المقصود هو «المسند زيد الدين إبراهيم بن عبد الرحمن ابن الشيرازي»، ويذكر آخرون أن المقصود هو «كمال الدين أحمد بن محمد بن الشيرازي». وسمع من «المجد الحراني» وأخذ عنه الفقه وقرأ عليه “مختصر أبي القاسم الخرقي” وكتاب “المقنع” لابن قدامة وأخذ عنه الأصول وقرأ عليه أكثر “الروضة” لابن قدامة. وسمع من «إسماعيل أبي الفداء بن يوسف بن مكتوم القيسي»، و«أيوب زين الدين بن نعمة الكحال»، و«البهاء بن عساكر»، و«الحاكم سليمان تقي الدين بن حمزة بن قدامة المقدسي»، وأخذ الفقه عن «شرف الدين بن تيمية»، و«علاء الدين الكندي الوداع»، وسمع من «عيسى شرف الدين بن عبد الرحمن المطعِّم»، و«فاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي»، وقرأ العربية على «مجد الدين التونسي»، و«بدر الدين بن جماعة»، وأخذ العربية والفقه عن «محمد شمس الدين بن أبي الفتح البعلبكي»، فقرأ عليه «الملخص» لأبي البقاء و«الجرجانية» و«ألفية ابن مالك» وأكثر «الكافية الشافية» وبعض «التسهيل»، و«محمد بن شهوان»، و«شمس الدين الذهبي»، و«صفي الدين الهندي» فأخذ عنه الأصلين (أصول الفقه والتوحيد)، وقرأ عليه في أكثر «الأربعين» و«المحصل»، و«أبي المعالي محمد بن علي الزملكاني»، و«ابن مفلح» وكان ابن القيم يراجعه في كثير من مسائله واختياراته، و«جمال الدين المزي» وكان ابن القيم يعتمده وينقل عنه في كثير من كتبه خاصة في الحديث ورجاله معبراً عنه بلفظ «شيخنا»، وسمع من «محمد بن عثمان الخليلي»، ومن «عز الدين عبد العزيز ابن جماعة».

سيرته
يذكر المترجمون لابن القيم إمامته “بالمدرسة الجوزية”، فيقول ابن كثير عنه: «هو إمام الجوزية وابن قيمها». ويفيد ابن كثير أيضاً في سرده لوقائع سنة 736هـ خطابةَ ابن القيم في أحد جوامع دمشق فيقول: «وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه نجم الدين ابن خليخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الإمام العلّامة شمس الدين ابن قيم الجوزية». ويذكر ابن بدران أن ابن القيم أول من خطب به.

لا تذكر كتب التراجم تاريخ تولّي ابن القيم التدريسَ بالتحديد، إلا أن تلميذه ابن رجب ذكر أن تولّيه التدريسَ كان منذ حياة شيخه ابن تيمية فيقول: «وأخذ عنه العلمَ خلقٌ كثيرٌ من حياة شيخه إلى أن مات، فانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون عليه كابن عبد الهادي وغيره».

يذكر عدد من المؤرخين ومنهم تلامذته ابن كثير، وابن رجب والذهبي أن ابن القيم درس “بالمدرسة الصدرية”، ويفيد ابن كثير عن تاريخ تدريسه بها في حوادث سنة 743هـ فيقول: «وفي يوم الخميس درس بالصدرية صاحبنا الإمام العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية». ويفيد الحافظ السخاوي أن ابن القيم انتفع به الأئمة ودرس بأماكن، ولكنه لم يفصل.

كان لابن تيمية تأثير كبير على ابن القيم، وله أثر واضح في ثقافته وتكوين مذهبه، واعتنى المؤرّخون بالوقت الذي التقيا به، فحددوه في سنة 712هـ/1313م، وهي السنة التي رجع فيها ابن تيمية من مصر إلى دمشق، فلازم ابن القيم مجلسه من ذاك العام حتى وفاته في سنة 728هـ/1328م، فأخذ عنه علماً جمّاً واتسع مذهبه ونصره، وهذب كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريباً. يقول ابن حجر العسقلاني في ذلك: «وهو الذي هذّب كتبه – أي كُتب ابن تيمية – ونشر علمه، وكان ينتصر له في أغلب أقواله.» ويقول ابن كثير في حديثه عن ابن القيم: «ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالعلم، وبرع في علوم متعدّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علماً جمّاً، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة..»

ذكر ابن القيم في منظومته «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» والتي تسمى «بنونية ابن القيم»، ما يقوله الأشاعرة وغيرهم في الصفات والتأويلات، ثم عقد فصلًا ذكر فيه أنه هو أيضاً كان يتبع أقوالهم ويقول مثل قولهم، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد مستَدِلّاً بهذه الأبيات، أن ابن القيم تاب على يد ابن تيمية، فيقول: «ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية بعض ما يقوله الأشاعرة وغيرهم في الصفات من التأويلات، وبعض ما في كتب النفاة من الطامات، وبيَّن ضررهم على الدين ومناهضتهم لنصوص الكتب والسنة. ثم عقد فصلاً أعلن فيه أنه قد وَقَعَ في بعض تلك المهالك، حتى أتاح له الإله من أزال عنه تلك الأوهام، وأخذ بيده إلى طريق الحقّ والسَّلامة، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.» وقد قال «سيد حسين العفاني» أيضاً بمثل قول بكر بن عبد الله أبي زيد. وفي المقابل يذكر آخرون مثل «صالح بن أحمد الشامي» أن القضية هنا هي تكون إطار الاجتهاد أو تصحيح المسار ومثل هذا لا يعد ذنباً، والانتقال إليه لا يسمى توبة، فيقول معلّقاً على كلام بكر أبي زيد قائلًا: «ولم أرَ من المترجمين لابن القيم من ذكر هذا الموضوع أو أشار إليه، بحسب اطّلاعي المتواضع. والتوبة – بمعناها الخاص – تكون بعد الذنب المتعارف عليه أنه ذنب، ووضعُها عنواناً لهذا الأمر لا يتناسب مع مكانة ابن القيم – مع تقديري الكبير للشيخ بكر- وإنَّ كل إنسان مهما كان شأنه عرضةٌ للوقوع في الذنب. وليس في هذه الأبيات وكذلك الأبيات بعدها ذكرٌ للتوبة. وإنما القضية هنا تكون في إطار تغير الاجتهاد أو تصحيح المسار، ومثل هذا لا يعدُّ ذنبًا، والانتقال إليه لا يسمى توبة والأبيات في الحقيقة هي تسجيل لفضل شيخ الإسلام على ابن القيم في إيضاح بعض مسائل العقيدة، والدعوة إلى التزام الكتاب والسنة، كما في الأبيات التي بعدها» فيقول ابن القيم في نونيته:

وقد جاء في كتاب «توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم» «لأحمد بن إبراهيم بن عيسى» الذي شرح فيه نونية ابن القيم بعدما استعرض الأبيات السابقة: «ثمَّ بيَّن أنه قد جرب ذَلِك، وأنه وَقع فِي بعض تِلْكَ الشباك والمصائد، حَتَّى أتاح لَهُ الْمولى بفضله، من أوضح لَهُ تِلْكَ الشّبَه وأزاح عَنهُ تِلْكَ الشكوك، وَهُوَ شيخ الإسلام.»

وقد حصل لابن القيم بسبب اتصاله بابن تيمية، ونصره لمذهبه وتمسكه به، كثير من المضايقات؛ فقد حبس، وأنكر عليه بعض الفقهاء في عدد من المسائل التي انتصر فيها لرأي ابن تيمية. فقد حبس معه في حبسه الأخير الذي توفي فيه، ويذكر ابن حجر أنه اعتقل بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة، ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة ابن تيمية.

يقول بكر بن عبد الله أبو زيد: «وكما احتفى بشيخه وعلومه حال حياته وأخلص في محبته وولائه فقد كان خليفته الراشد بعد وفاته، فتلقف راية التجديد وثبت على جادة التوحيد: بنشر العلم، وبرد الخلف إلى مذهب السلف؛ فاتسعت به دائرة المدرسة السلفية، وانتشر روادها في كل ناحية وصقع. وكان من حفاوته بشيخه (شيخ الإسلام) أن دون في ثنايا كتبه جملًا من مواقفه، وسؤالاته له، وأسئلة غيره له، وطائفة من أحواله ومرائيه واختياراته. مما لو استل من مؤلفات ابن القيم لظهر في مجلدة لطيفة ترفل بعزيز الفوائد ولطائف العلم. والله أعلم. »

أنكر ابن القيم شد الرحل لزيارة قبر النبي إبراهيم (الخليل)، فأوذي بسبب هذا وسجن يقول الذهبي: «وقد حُبِس مُدَّة وأُوذِيَ لإنْكارِه شدّ الرّحل إلى قَبْر الخَلِيل.» ويذكر بعض المؤرخين أن هذه السجنة هي نفسها التي سُجن فيها مع شيخه ابن تيمية، فقد اعتقل ابن تيمية في يوم 16 شعبان سنة 726هـ، وذلك بسبب ما أفتى به من المنع من شد الرحل إلى قبور الأنبياء، ويذكر ابن كثير الأحداث التالية لحبس ابن تيمية، أنه في منتصف شهر شعبان أمر قاضي القضاة الشافعي بحبس جماعة من أصحابه في سجن الحكم، وعزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم، ثم أطلقوا، سوى ابن القيم فإنه حبس في القلعة وسكتت القضية. فكان سبب سجن ابن القيم هو نفس السبب الذي سجن من أجله ابن تيمية، فسُجن بجانبه في القلعة، ولكنه كان منفردًا عنه.

ويذكر تقي الدين المقريزي ملابسات هذه الواقعة بتوسع وأن ابن القيم ضُرب قبل أن يحبس فيقول: «وفي يوم الاثنين سادس شعبان – يعني سنة 726هـ – حُبِس تقي الدين أحمد بن تيمية، ومعه أخوه زين الدين عبد الرحمن بقلعة دمشق. وضُرِب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قَيِّم الجوزية، وشُهِّرَ به على حمار بدمشق. وسبب ذلك: أن ابن قَيِّم الجوزية تكلم بالقدس في مسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء، وأنكر مجرد القصد للقبر الشريف دون قصد المسجد النبوي، فأنكر المقادسة عليه مسألة الزيارة، وكتبوا فيه إلى قاضي القضاة جلال الدين القزويني وغيره من قضاة دمشق. وكان قد وقع من ابن تَيْمِيَّة كلام في مسألة الطلاق بالثلاث: أنه لا يقع بلفظ واحد، فقام عليه فقهاء دمشق، فلما وصلت كتب الْمَقَادِسَة في ابن القَيِّم، كتبوا في ابن تَيْمِيَّة وصاحبه ابن القَيِّم إلى السلطان، فعرف شمس الدين الحريري – قاضي القضاة الحنفية بديار مصر- بذلك، فشَنَّع على ابن تَيْمِيَّة تشنيعاً فاحشاً، حتى كتب بحبسه، وضُرِبَ ابن القَيِّم.» وقد ظل ابن القيم محبوسًا، ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة ابن تيمية، وذلك أن ابن تيمية توفي في محبسه بالقلعة في 20 ذو القعدة سنة 728هـ، وأفرج عن ابن القيم في يوم الثلاثاء 20 ذو الحجة.

رأى ابن القيم جواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل، وصنف في ذلك مصنفًا اسمه «بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال»، وأفاض فيها في كتابه «الفروسية»، ونصر فيها رأي شيخه ابن تيمية، وخالف قول الأئمة الأربعة حيث اشترطوا المحلل في السباق. فأنكر عليه السبكي ذلك، ويذكر ابن حجر العسقلاني أنه جرى له بسبب بهذه الفتوى أمور مع السبكي وغيره وأنه قد رجع عن هذه الفتوى، فقال: «وجرت له محن مع القضاة، منها: في ربيع الأول – يعني سنة 746هـ – طلبه السبكي بسبب فتواه بجواز المسابقة بغير مُحَلِّل، فأنكر عليه وآل الأمر إلى أنه رجع عما كان يُفتي به من ذلك.»

وحكى ابن كثير هذه الحادثة، وذكر ما يفيد أن ابن القيم كان يفتي في ذلك برأي شيخه ابن تيمية، وأنه صَنَّف مصنفًا لنصرة رأي ابن تيمية، ثم صار يفتي به دون نسبته إلى ابن تيمية فاعتقدوا أنه قوله، فيقول ابن كثير في حوادث سنة 746هـ: «ووقع كلام في اشتراط المحلل في المسابقة، وكان سببه أن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صنف فيه مصنفًا من قبل ذلك، ونصر فيه ما ذهب إليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك، ثم صار يفتي فيه جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، فاعتقد من اعتقد أنه قوله، وهو مخالف للأئمة الأربعة، فحصل عليه إنكار في ذلك، وطلبه القاضي الشافعي، ويحصل كلام في ذلك، وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية الموافقة للجمهور.»

وقد شكك بكر بن عبد الله أبو زيد في رجوعه عن فتواه: «وقضية الرجوع محل نظر، فلا بد من تثبيت ذلك، وأرجو من الله تعالى أن يمنَّ عليَّ بما يدل على ذلك، نفياً أو إثباتاً.» ويذكر بعض المؤرخين الآخرين في الزمن الحاضر ذلك أيضًا، بدليل أنه ذكر المسألة في كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين» ولم يذكر أنه رجع عن رأيه.

أفتى ابن القيم بأن “الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة”، وهذا هو اختيار شيخه ابن تيمية، فحصل له بسبب ذلك مشاكل مع القضاة، يقول ابن كثير: «وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وجرت بسببها فُصُولٌ يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره.» ولم يبين ابن كثير ما وقع له بسبب ذلك، ومما يؤكد أن فتواه في مسألة الطلاق قد سببت له مشاكل مع القضاة ما حكاه ابن كثير من الصلح الذي تم بين السبكي وابن القيم في 16 جمادى الآخرة 750هـ قبل موت ابن القيم بعام واحد، يقول ابن كثير: «حصل الصلح بين قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وبين الشيخ شمس الدين بن قَيِّم الجوزية، على يدي الأمير سيف الدين بن فضل ملك العرب، في بستان قاضي القضاة، وكان قد نقم عليه إكثاره من الفتيا بمسألة الطلاق.»

تتفق كتب التراجم أن ابن القيم توفي في ليلة الخميس 13 رجب سنة 751هـ في وقت أذان العشاء، وقد كان عمره عند وفاته ستون سنة. وقد ذكر ذلك من المترجمين ابن رجب، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني.

وقد ذكر مترجمون آخرون تاريخًا مختلفًا. مثل حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون عند ذكر كتاب ابن القيم “أمثال القرآن” فقيده في سنة 754هـ. وفي سائر المواضع من الكتاب قيده سنة 751هـ. ويذكر بكر أبو زيد أنه أخطأ في هذا. وذكر السفاريني أن عمره اثنتان وستون سنة، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن الصواب هو ستون سنة هجرية.

صُلي عليه في اليوم التالي بعد صلاة الظهر في “الجامع الأموي” ثم “بجامع جراح”، وازدحم الناس على تشييع جنازته، يقول ابن كثير: «وقد كانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة. وتزاحم الناس على حمل نعشه، وكمل من العمر ستون سنة رحمه الله.» ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير عند والدته.

وحُكى عنه قبل موته بمدَّة أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام وأنه سأله عن منزلته – أي منزلة ابن تيمية -، فقال إنه أنزل فوق فلان – وذكر اسم أحد العلماء -، وقال له وأنت كدت تلحق به ولكن أنت في طبقة ابن خزيمة.

المصدر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة برخصة المشاع الإبداعيبإذن الدار الناشرة (دار عطاءات العلم )
آثار الإمام ابن قيم الجوزية [ 30]
زاد المعاد في هدي خير العباد
تأليف:
الإمام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية
تحقيق:
محمد أجمل الإصلاحي
سراج منير محمد منير
الطبعة الثالثة 2019
الكتاب رائع و راح تستفدون منه كثير و خصوصا في شهر رمضان لانه في مسابقه عن هذا الكتاب و اتمنى الفوز للكلكتاب فى الحقيقة عبارة عن كنز وبحر للمعرفةممتاز كاتب غني عن التعريف رحمه الله العالم ابن القيم غفر الله له.جيدأن القلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء والغافل الميت في بيوت الأموات ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم وقلوبهم فيها كالأموات في القبور ابن القيموالجاهلون يسمون الكافر الذي له علم بشيء من الطبيعة حكيما وهو من أسفه الخلق 321 2قال البخاري في صحيحه [تعليقًا]: قال عمّار [يعني ابنَ ياسر]: ثلاثٌ مَن جمعَهُنّ، فقد جَمع الإيمانَ: الإنصافُ مِن نفسِك، وبذلُ السّلامِ للعالَمِ، والإنفاقُ مِن الإقتارِ
وقد تضمنت هذه الكلماتُ أصول الخير وفروعه، فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفَّرة، وأداء حقوق الناس كذلك، وأن لا يُطالبهم بما ليس له، ولا يُحمِّلهم فوق وُسعهم، ويُعامِلَهم بما يُحِبُّ أن يعامِلوه به، ويُعفيهم مما يُحِبُّ أن يُعْفُوه منه، ويحكم لهم وعليهم بما يحكُمُ به لنفسه وعليها، ويدخُل في هذا إنصافُه نفسه من نفسه، فلا يدَّعي لها ما ليسَ لها، ولا يُخبثها بتدنِيسه لها، وتصغيرِهِ إياها، وتحقيرِها بمعاصي الله، ويُنميها ويكبِّرُها ويرفُعها بطاعة الله وتوحيده، وحبِّه وخوفِهِ، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وإيثارِ مرضاتِه ومحابِّه على مراضي الخلق ومحابِّهم، ولا يكونُ بها مع الخلق ولا مع الله، بل يعزِلُهَا من البين كما عزلها اللهُ، ويكون بالله لا بنفسه في حُبه وبُغضه، وعطائه ومنعه، وكلامِه وسكوتِه، ومدخلِه ومخرجِه، فينجي نفسه مِن البينِ، ولا يرى لها مكانةً يعمل عليها، فيكون ممن ذمهم الله بقوله: (اعملوا على مكانتكم) فالعبدُ المحض ليس له مكانة يعمل عليها، فإنه مستحقُ المنافع والأعمال لسيده، ونفسُه ملك لسيده، فهو عامل على أن يؤديَ إلى سيده ما هو مستحق له عليه، ليس له مكانة أصلًا، بل قد كُوتب على حقوق مُنَجَّمَةٍ، كلما أدَّى نجمًا حلَّ عليه نجمٌ آخر، ولا يزال المكاتَبُ عبدًا، ما بقي عليه شيء من نجوم الكتابة
والمقصود أن إنصافه من نفسه يُوجب عليه معرفةَ ربه، وحقَّه عليه، ومعرفةَ نفسه، وما خُلِقَتْ له، وأن لا يُزاحِم بها مالكَها وفاطرَها ويدَّعي لها الملكة والاستحقاق، ويزاحم مرادَ سيده، ويدفعَه بمراده هو، أو يقدِّمه ويؤثِرَه عليه، أو يقسِم إرادته بين مُراد سيده ومُراده، وهي قسمة ضِيزى، مثل قسمة الذين قالوا: (هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون). فلينظر العبد لا يكونُ من أهل هذه القسمة بين نفسه وشُركائه وبين الله لجهله وظلمه وإلا لُبِّسَ عليه، وهو لا يشعرُ، فإن الإنسان خُلِقَ ظلومًا جهولًا، فكيف يُطْلَبُ الإنصافُ ممن وصفُهُ الظلمُ والجهل؟ وكيف يُنْصِفُ الخلقَ من لم يُنْصِفِ الخالقَ؟! …ثمّ كيف يُنْصِفُ غيرَه من لم يُنْصِفْ نفسه، وظَلَمَهَا أقبحَ الظُّلْم، وسعَى في ضررها أعظمَ السعي، ومنعَها أعظمَ لذَّاتِها من حيث ظن أنه يُعطِيها إيَّاها، فأتعبها كُلَّ التعب، وأشقاها كُلَّ الشقاء من حيث ظن أنه يُريحها ويُسعدها، وجدَّ كل الجدِّ في حرمانها حظَّها من الله، وهو يظن أنه ينيلها حظوظها، ودسَّاها كلَّ التدسيةِ، وهو يظن أنه يُكبرها ويُنميها، وحقَّرها كلَّ التحقير، وهو يظن أنه يعظِّمها، فكيف يُرجى الإنصافُ ممن هذا إنصافُه لنفسه؟! إذا كان هذا فعلَ العبد بنفسه، فماذا تراه بالأجانب يفعل
والمقصود أن قول عمار رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن، فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار، كلام جامع لأصول الخير وفروعه
وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعَه، وأنَّه لا يتكبَّر على أحد، بل يبذُلُ السلام للصغير والكبير، والشريفِ والوضيعِ، ومن يعرِفه ومن لا يعرفه، والمتكبِّر ضِدُّ هذا، فإنه لا يَرُدُّ السلام على كُلِّ من سلم عليه كِبرًا منه وتِيهًا، فكيف يبذُلُ السلامَ لِكل أحد
وأما الإنفاق من الإقتار، فلا يصدرُ إلا عن قوةِ ثقة بالله، وأن الله يُخْلِفُه ما أنفقه، وعن قوة يقين، وتوكُّل، ورحمة، وزُهد في الدنيا، وسخاءِ نفس بها، ووثوق بوعد مَنْ وعده مغفرةً منه وفضلًا، وتكذيبًا بوعد من يعدُه الفقر، ويأمر بالفحشاء، والله المستعان

كتاب-زاد-المعاد-في-هدي-خير-العباد-¦-أفضل-طبعة-pdf رابط مباشر PDF

رابط التحميل