تنزيل تحميل كتاب البنية الدلالية والبنية الإيقاعية في شعر بهاء الدين زهير pdf ماجستير لغة عربية, وقيد الدكتوراهيدخلُ الإيقاعُ ضمن البُنى النّاظمة لهيكل القصيدة, ويشغلُ فيها مكانه الثّابت والفاعل, موظّفاً كلّ الظواهر التي لها امتداداتٌ صوتيّة أو التي تتركُ آثاراً صوتيّة, ودراسةُ الإيقاع في الشعر العربي أمرٌ لا يتمُّ بقصره على العروض أو البحور التي ضبطها (الخليل بن أحمد الفراهيديّ (100-175ه) في تفاعيل وتقطيعات, بل هو استقصاءٌ لكلّ نظامٍ متناغمٍ متناسقٍ يكون الصوت عدّته سواء أكان هذا الصّوت ظاهراً أم مستتراً في ثنايا التركيب, والإيقاعُ بصفته ركناً من الأركان البنائية ليسَ مُفرغاً أو أجوفَ بل هو حاملٌ من حوامل المعنى, وضامن ٌ للغاية الفكريّة التي يذهبُ إليها الشّاعر, لذا لا بُدّ له من تقاطعات مع الدلالة العامّة للنصّ, يندمجُ من خلالها مع حركيّة الأداء المنتجة للأبيات, ولا ينعزلُ عن مجمل العلاقات التي تنسجها الدلالة, فللإيقاعُ بنيةٌ تنظمُ عناصره وتضبط وظائفها كما للدلالة بنيةٌ تتولّى عناصرها مهمة تفتيق المعاني وتكاثرها في النصّ, ما يستدعي دراسةً لا على أساس قسر الإيقاع على ملائمة الأغراض الشعريّة, بل على أساس العلاقات النشطة والفاعلة بين عناصر البنيتين الدلاليّة والإيقاعيّة, والنظر إلى ما يمكن أن تُفضي إليه هذه العلاقات, وإلى مدى تأثيرها في مستوى النصّ.
وبالتأسيس على أهمية الأداء الإيقاعي, وحيويّة حضوره وتقاطعاته مع المسار الدلاليّ داخل النصّ الشعريّ سيحاولُ هذا البحث تلمّسَ العلاقات الفاعلة بين عناصر البنيتين الدلاليّة والإيقاعيّة في شعر (بهاء الدّين زهير), أحد شعراء العصر الأيوبي الذين تشرّبوا الموروث الشعريّ, كما تكيّفوا مع ثقافة العصر, ولاءَمت نصوصهم تطلّعات السويّات الاجتماعيّة والثقافيّة المتباينة آنذاك, وذلك لما كان لِـ(البهاء) من حظوة لدى الحاكم من جهة, والعامّة من جهةٍ أخرى, و(البهاء) من الشعراء الذين استحضروا في نصوصهم إيقاعيّةً واضحةً, وحمّلوها من المضامين ما شكّلَ منها رافعةً من روافع المعنى ورافداً من روافده, من دون الحذر من مزالق الجنوح إلى الإيقاعية, هذه المزالق التي تتجلّى في التخالف العروضيّ أو الخلخلة الإيقاعيّة أو إتخام النصّ بالتردّدات الصوتيّة, وهي حالات تُدرسُ في ضوء تأثير المسار الدلاليّ في المسار الإيقاعيّ, الأمر الذي يخلقُ إشكاليّة تغري بالقراءة والبحث والدراسة.
ومن الأسباب التي تدعو إلى دراسة شعر (البهاء) ندرةُ الأبحاث التي تناولت إنتاجه الشعريّ تناولاً فنيّاً مستفيضاً, إحداها الكتاب الموسوم بــِ(البهاء زهير) لـِ(مصطفى عبد الرّازق), و(بهاء الدين زهير) لـِ(مصطفى السقّا) و(عبد الغني المشناوي), و(البهاء زهير) لـِ(عبد الفتّاح شلبي), والمُلاحظُ من خلال العنوانات الموسومة بها هذه الكتب أنّها دراساتٌ توثيقيّةٌ لحياة الشّاعر, لا تفصّلُ القولَ في ظاهرةٍ مقصودةٍ ضمن شعره, وإنّما تنتقي من مدوّنته بعضَ القصائد التي يستشهدُ الدّارسون من خلالها على شاعريّته, والبحثُ هذا إذ يُدركُ أهميّة تلك الدراسات في إحياء ذكر شعراء مثل (البهاء) فإنّه يتطلّعُ إلى الإسهام في إثراء المعالجة الفنيّة ومقاربتها بالمضامين التي يقومُ عليها النصّ الشعريّ.
وقد جاء البحث موزّعاً على مدخلٍ وثلاثةِ فصولٍ وخاتمة, يعرضُ المدخل لحياة الشّاعر ولأهم المحطّات التي خلّفت آثارها في كيانه الاجتماعي والثّقافي, كما ويعرضُ لأهم السّمات التي نهضَ عليها نصّه الشعريّ, ويتلو ذلك فهمٌ نظريٌّ للإيقاع الشعريّ وما قدمته الآراء العربيّة والغربيّةُ له من تعريفات ومحاولات ضبط, ويتخلّلُ المدخلَ نظرةٌ تحاولُ إدراك التأثيرات التي طبعها العصرُ على الإيقاع الشعريّ لنصّ (البهاء), يستطيعُ البحث من خلال ما سبق تصوّر الإيقاع في بنيةٍ ينظمُ عناصره داخلها, في سبيل وعي العلاقة والاتّصال بين بنية الإيقاع وبنية الدلالة.
وفي الفصلِ الأوّلِ سيحاولُ البحثَ قراءة الإيقاع العروضيّ في نصّ (البهاء) وتحليله من زاوية النظر إلى الدوائر العروضيّة الخمس, وهي (المُختلف والمؤتلف والمُجتلَب والمُشتبه والمتّفق), بغية الكشف عن الطّابع التمييزيّ الذي تلتقي عنده بحور الدّائرة الواحدة, وعن قدرة الشّاعر على استثمار هذه الطّاقة في إنجاز الكيان الإيقاعي بما يتناسب كمّاً ونوعاً مع مستوى الدلالة وتتابعِ المعاني المُنتَجة في النصّ, فكل دائرة عروضيّة قد تميّزت عند استخدامها لدى (البهاء) بقدرة حركيّة تخرقُ مواضعَ من بنية النُّظم المألوفة ضمن الدّائرة وغالباً ما تتقاطعُ مع إشراق دلاليّ يكسرُ من رتابة النّسق في البنيتين الدلاليّة والإيقاعيّة, ويجنّبُ النصّ التصدّع والتفكّك, اللّذين يهدّدان تماسك النصّ إذا لم تُراعَ حساسيّة العلاقة بين الدلالة والإيقاع أثناء عملية البناء والتركيب.
وفي الفصلِ الثّاني يرصدُ البحثُ إيقاعَ القافية من جهة حروفها وحركاتها وأسمائها, فالقافيةُ تلتقي مع البحر العروضيّ في كونها منتِجاً إيقاعيّاً ثابتاً في النصّ, تحافظُ على الكمّ الحركيّ اللّازم للنسق العروضيّ, لكنّها لا تتمتّع بالمساحة النصيّة التي ينشطُ داخلها البحر, فتحاولُ تعويضَ المساحة بنسجِ العلاقات الصوتيّة مع مواضع من سياق البيت, وتعملُ على خلق مساحةٍ صوتيّةٍ توازي المساحةَ النصيّةَ للنسق العروضيّ في البحر, يزيدُ من رحابة هذه المساحة قدرةُ حروف القافية على إجراء تجاوباتٍ صوتيّةٍ تماثليّةٍ تعمّقُ من إيقاعيّة البيت, وتقتفي أثر الدلالة من خلال تفعيل ظاهرة (الإرصاد), التي لا تكتفي بمكتسباتها الصوتيّة فحسب, بل يكون الإرصاد فيها تأكيداً لمعنى اللّفظة وليس ترديداً لصوتها فقط, وحركاتُ القافية كما حروفها في وظيفة التمدّد الصوتيّ ضمن البيت, وهي تعملُ على تجاوبين واضحين, أحدهما تجاوبٌ مع حركات خارج موضع القافية, والآخر تجاوبٌ ضمن حدود القافية, منها تماثلات غير ملزمة, يجريها الشّاعر ضماناً لأعلى سويةٍ من التنسيق الصوتيّ, وفي أسماء القافية تلقى الدلالة جوانبَ من تمدّداتها من خلال الطّاقة التشكيلية التي يؤدّيها النسق العروضيّ للقافية, فأسماء القافية أشكال ثابتة لا يُفترض أن تتحوّل إلى أكثر من شكل في النصّ, يعمد الشّاعر إلى اختراق ثباتها ويجري عليها عيب (التحريد), الذي يحضرُ بصفته دالّاً إشارياً إذا ما تقاطع مع مستوى المعنى في لفظ القافية, أو إذا ما تجاوبَ مع تحوّل مماثل في النسق يكون متقاطعاً مع تطوّر دلاليّ في عملية تدرّجِ النصّ.
أمّا الفصلُ الثّالث فيتناولُ الجانبَ الإيقاعيَّ المستقلَّ عن التشكّلات العروضيّة في البحر أو القافية, وهو المدى الإيقاعيّ في أصوات نص (البهاء), الجانب الذي يشملُ الأصوات الإيقاعيّة التي تحقّقُ انسجاماً وتآلفاً بين التراكيب والعناصر المتمّمة للبناء الشعريّ, ومنها ظاهرةُ التكرار إذ حقّقَ بعديه الفنيّ والموضوعيّ في شعر (البهاء), وجاء ترجيعُ ألفاظه -في غير استخدامٍ له- انعكاساً لعملية التنامي والتدرّج الدلاليّ التي تسير وفقها سيرورة النصّ, ومحقّقاً حضوره الفنيّ في تنسيقِ هندسةٍ إيقاعيّةٍ صوتيّةٍ لهيكل الأبيات, وقد ترجمَ الجناسُ جانباً من التكرار الإيقاعيّ الصوتيّ الذي متّن من تماسك الشكل البنائيّ للأبيات, وأبدى الحركةَ التواصليّةَ بين جرس الحروف المتآلفة وأبعادها الدلاليّة المحمولة على إيحاء النغمة الإيقاعيّة, وقد جاء استخدام (البهاء) للطّباق متساوقاً مع الوظيفة الإيقاعيّة التي يؤدّيها الجناس, فإلى جانب الطبيعة الضديّة في الطبّاق بنى (البهاء) كمّاً من مطابقاته بناءً يحفظ للفظتين المتطابقتين توازياً صوتيّاً بإلحاقهما بأحرف متماثلة تحمّلُ المطابقةَ فيضَ المعنى المنجز بالصوت, فمجملُ هذه التراكيب التي فرضتها علاقات الجناس والطّباق مع الإيقاع أكسبت النصّ توازياً على مستوى البيت وتوازناً على مستوى الشّطر, أفادَ التوازي من طاقة التركيب اللّغوي في تقسيم إيقاع الجملة وشحن أفكارها, كما استثمرَ العلاقاتِ المكانيّةَ في النصّ أفقياً وعمودياً لتحديد الوحدة الشعريّة المعنويّة, وقد تعزّزَ التنسيق التركيبي لبنية البيت بتحقيق التوازن لاستقلاليّة الشّطر, وإنجاز التوازنات التي تتلاءّم والمساحة الضيّقة للشطر, كما قد انعكس تنسيق النغمة الإيقاعيّة بالتوازن الحرفيّ الذي اعتمد على فضاء الصوت في الأحرف الممتدّة, وعلى تقارب مواضعها في الشّطر, لتكونَ مفاصلَ صوتيّةً تشحنُ الإيقاع بصفته أحدَ الأدوات التعبيريّة للمعاني التي تشّكل الدلالةَ العامّةَ للنصّ.
ثُمَّ يخلصُ البحث إلى خاتمةٍ تصوغُ أهمَّ النتائج التي أفضت إليها فصولُ الدراسة, وهي نتائج يؤمّلُ منها أن تقدّمَ إسهاماً مفيداً في عملية القراءة الإيقاعيّة الدلاليّة, وأنْ تدعو إلى نظرة إيقاعيّةٍ جامعةٍ للنصّ الشعريّ.
تحميل كتاب البنية الدلالية والبنية الإيقاعية في شعر بهاء الدين زهير pdf رابط مباشر PDF