تنزيل كتاب-اقبال-فيلسوف-التجديد-الاسلامي-pdf دكتور في الشريعة الإسلامية …. أستاذ في جامعة أبو ظبي كلية القانون
نال الإجازة في الشريعة من جامعة دمشق ثم تابع تحصيله العلمي ونال ثلاث درجات ليسانس في العلوم العربية والإسلامية من جامعات دمشق وطرابلس وبيروت كما حصل على الماجستير ونال الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم في الخرطوم بإشراف الدكتور العلامة وهبة الزحيلي والدكتور العلامة محمد علي الإمام عام 1996، حيث بدأ بالتدريس الجامعي في جامعة دمشق وكلية الدعوة الإسلامية وأصول الدين بدمشق.
وفي عام 2010 أعلنت جامعة كرايوفا، أعرق الجامعات الرومانية أن رتبة دكتوراه الشرف قد خصصت للدكتور محمد حبش تقديراً لبحوثه ونشاطه في حوار الأديان وبشكل خاص كتابه سيرة الرسول محمد، وقد قامت الجامعة بترجمته للرومانية واعتبر مقرراً على طلبة كليات اللاهوت في الجامعة.
يتبنى الدكتور محمد حبش مشروع التجديد الديني ، وقد تخصص في التنوير الإسلامي وحوار الأديان، وقد تبنّى عدداً من قضايا التجديد الديني أهمها: رفض احتكار الخلاص، وتجديد فقه المرأة في الإسلام، وتعزيز المذهب الإنساني في الإسلام، وإحياء مصادر الشريعة الغائبة مما يعني منح دور أكبر في التشريع للعقل على حساب النص.
كان واعظاً وخطيباً وإماماً لثلاثين سنة في مسجد الزهراء بدمشق، ثم مؤسساً ومديراً لمعاهد القرآن الكريم في سوريا، ومستشاراً لمركز الدراسات الإسلامية، كما انتخب مرتين رئيساً لجمعية علماء الشريعة بدمشق بالإضافة لممارسته التأليف والشعر والكتابة.
تبنى في البرلمان عدداً من القضايا التشريعية والقانونية ومنها قانون الجنسية للمرأة السورية، وقانون الحضانة، وقانون تحسين رواتب الموظفين الدينيين، كما نجح في منع ظاهرة الإعلان عن الفحشاء في سوريا.
انتقل منذ 2012 إلى الإمارات وعمل بالتدريس الجامعي في جامعة أبو ظبي أستاذاً للفقه الإسلامي في كلية القانون، وكلية الآداب والعلوم.
حصل على جائزة رابطة كتب التجديد عن كتابه الدبلوماسية بدل الحرب 2017 و جوائز دولية عدة منها جوائز المسابقة الدولية للقرآن الكريم في السعودية وليبيا وإيران وغيرها كثير من جوائزَ أخرى…
يتناول الكتاب فكر محمد إقبال وفلسفته من خلال مداخل ثلاثة : خطاب النهضة وخطاب التجديد وخطاب الروح .

في الفصل الأول يشرح المؤلف رسالة إقبال في النهضة إنطلاقاً من وثبة المسلم الهندي إلى حلم الأمة الإسلامية القوية الموحدة ، ويخص بلحن خاص أشواقه وأمانيه في أرض العرب .

وفي الفصل الثاني يواجه إقبال روح الغضب الهائجة في الجيل الجديد ، ويتحدث بشجاعة عن ضرورة تجديد الإسلام باستمرار ، وبعث فكر شجاع وإرادة حرة تمنح المسلم مكانه في ريادة العالم الجديد .

وتشتد ثورة إقبال على الكهنوت الإسلامي ، فيخوض حرباً ضارية مع الوعي المبتور ، ويدعو على ثورة هائلة ضد الروح الجبرية القامعة للعقل والإرادة التي تكمن تحت عمائم المسلمين وفي مدارسهم التقليدية ، ويرسم بشجاعة وبصيرة ملامح قيام جديد يؤسسه على فكرة ختم النبوة بوصفها نهاية عالم الغيب وبداية عالم الشهادة ، وآخر ضباب الخوارق وأول ضياء السنن .

أما الفصل الثالث فيتحدث عن عالم إقبال الروحي وتأملاته وإشراقاته وبشكل خاص وصاله الأبدي مع المعلم الكبير جلال الدين الرومي .

إنه باختصار إقبال : قائداً وثائراً وعاشقاً .

ويمتاز الكتاب بمجموعة كبيرة من أشعار إقبال تُنشر لأول مرة .لم يحصل أن نال شاعر في أمة من الأمم ذلك المجد الذي وهبته باكستان للشاعر إقبال، فهو حكيمها وفيلسوفها وقديسها ومؤسسها وشاعرها وديوان أحلامها وآمالها وآلامها، وجوهرتها الخالدة التي تتقدم بها إلى العالم.
وتتناول هذه الدراسة فكر إقبال ورسالته من خلال ثلاثة فصول رئيسية:
• خطاب النهضة
• خطاب التجديد
• خطاب الروح
في خطاب النهضة، نصحب إقبالاً في روائعه التي كتبها لاستنهاض العقل المسلم وبيان مكانه ورسالته في صراع الأمم، ونعيش في هذا المعنى بين رؤيا الشاعر ورسالته العالمية وبين الواقع الذي يعيشه المسلمون.
وينشغل إقبال بشكل رئيس بالمسلم الذي هو جوهر هذه المواجهة الحضارية، ولا يتحدث عن الغرب كمنتصر راشد، بل يتحدث عنه في قيامه ونهوضه كدرس إنساني دقيق، يحب ان لا يتحول إلى مشروع خيبة جديدة، ويطرح بثقة واقتدار مبادئ التواصل والتفاصل بين قيم الإسلام الروحية وبين قيم الغرب المادية.
وستتناوس هذه الدراسة الإشارة إلى موردين فكريين لفقه النهضة الأولإقبال القادم من الشرق والثاني مالك بن نبي، فقد بدا أن مالك بن نبي كان امتداداً مشرقياً لرؤية إقبال وفكره ومجده، وكانت رسالة الرجلين تتلخص في الدعوة إلى جذزة الآباء وليس رمادهم، وفي اتفاقهم على دور النبي الخاتم في نقل البشرية من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن.
“لقد صنعت إقبال الفيلسوف، و مالك بن نبي الفكر، ظروف تاريخية واحدة. استمد كل منهما فلسفته، وفكره، من مصادر واحدة و روافد متماثلة تماما. فكل منهما ابن بيئة إسلامية و محيط ديني محافظ، ارتبط بالإسلام و فهمه عقيدة و شريعة، و كان حبه لله ولرسوله كبير، لم تؤثر فيه دعوات الإلحاد بل كانت تلك تزيده تمسكا بالإسلام، و حبّا له، و دفاعا عنه، و تزيده تخلقا بأخلاق الإسلام لرفع التحدي و التصدي لدعاة التغريب من أبناء العالم الإسلامي ومن غيرهم. كما اطلع كل منهما على الفكر الإنساني بشكل عام والفكر الإٍسلامي بشكل خاص، و نال عندهما الفكر الإٍسلامي القديم و الحديث كل العناية، و كل الاهتمام بالمتابعة و الدراسة و التقويم و المراجعة، كما نال الفكر الغربي القديم و الحديث نفس العناية و الاهتمام.
و كان للفكر الغربي و الحضارة الغربية بشكل عام الأثر البارز في فلسفة إقبال و فكر مالك بن نبي، لأن الفكر الإصلاحي الحديث لدى المفكرين هو مجرد استجابة لفكر غربي،و حضارة غربية غزت العالم الإسلامي، فكانت أمام قيم دينية و تاريخية موروثة، حملها دعاة الإصلاح، و أصحاب التجديد، في واقع تميز بوجود عالمين اثنين: عالم متخلف مغزو غشّه ليل الاستعمار، فهو يعاني الجهل و الفقر و البؤس و الحرمان، والعالم الإسلامي جزء منه. وعالم متحضر، غازي، يعيش الحضارة و المدنية والرفاء المادي والتنظيم الاجتماعي، و هو العالم الأوروبي، فكان واقع المسلمين المتميز بالتخلف و الانحطاط من جهــة و واقع أوروبا المتميز بالتقدم والرقي العلمي والتكنولوجي والاقتصادي من جهة أخرى، لهما الأثر البارز في تكوين فلسفة إقبال وفكر مالك بن نبي. ”
وفي خطاب التجديد الذي نعتبره جوهر هذه الدراسة نقدم إقبال هنا خبيراً بصيراً بالداء الذي يعصف بالعالم الإسلامي ونقرأرسائله وصيحاته المتتابعة من أجل قيام المجتمع الإسلامي من سقوطه وتخلفه، ومسؤولية العقل في بناء روح جديدة وثقافة جديدة تزاحم ما يعج به هذا العالم من فلسفة وفكر.
يتقدم إقبال بشجاعة وجرأة ليفكك في بنية العقل المسلم كثيراً من المسلمات التي ألقاها الاستبداد في دائرة التابو ومنع من مناقشتها، ويقتحم منطق احتكار الحقيقة، ويطالب المسلم باكتشاف ما لدى الأمم من حكمة ونور، وينادي بالزمالة بين الديانات والفلسفات والحكمة، والتوقف عن تكفير العالم، ومع أنه لا يمل من الحديث عن المجد الإسلامي ولكنه بدا حريصاً تماماً على مكان الامة التي يريد: أمة بين الأمم، وليس أمة فوق الأمم، ودين بين الأديان وليس ديناً فوق الإديان، إنها دعوة للمساواة والكرامة وليس للنازية والغطرسة والاستعلاء.
ويبدو إقبال مدهشاُ في موقفه من القدر الذي بات يدرس على أنه سادس أركان الإسلام، ومع أن إقبال لا يناقشه لاهوتياً ولكنه لا يترك شيئا للاهوت!! بعد ان حطم كل تلك الأيقونات التي كان ترسف على ضمير المسلم وتحيله إلى شيء خاوٍ تعصف به رياح الأقدار وتتصرف به الأمم الغالبة كما تتصرف بأشيائها، ويقدم في الوعي بالقدر سلسلة مواقف جريئة لا يمكن للعقل السلفي تقبلها باي سبيل، ولكنه لا ينفك عن ربط رؤيته لحرية الإنسان وكرامته بنصوص الوحي المبين، وجوهر القرآن الكريم في دعوته للحربة والكرامة، ويعجب إقبال كيف غابت هذه الحقائق عن العقل المسلم.
ولكن موقفه الأعجب يتركز حول مسالة ختم النبوة، ويتعجب من ارتكاس فهم هذه المسألة لدى الفقهاء وتحولها إلى إعلان وفاة العقل والاستسلام للتأويل النصي والوقوف على ما وقف عليه السلف، في حين أنه يعتبر يوم ختم النبوة أعظم أيام العقل مجداً في تاريخ الإنسانية ويعتبره بنص واضح يوم مولد العقل الاستدلالي.
والمدهش أن إقبال لا يعتبر موت الرسول الأعظم هو يوم ختم النبوة، بل يعتبر مبعثه هو يوم ختم النبوة!! ويعتبر أن سلوكه الديمقراطي في التشريع والإدارة كان في الواقع إعلاناً وافياً بختم النبوة وتأكيداً لولادة العقل الاستدلالي.
وفيما يحاورك عن حججه وبراهينه في رسالة ختم النبوة ودلالتها العقلية والبرهانية، فإنه ينطلق من فوره ليشارك العارفين الذين استأنفوا التواصل مع السماء ولكن هذه المرة كمنبع إشراق ونور وليس كشريعة وقوانين، فقد قرر إقبال أن الشريعة والقوانين باتت شأن العقل الاستدلالي، تنتجها الأمة في برلماناتها ومجالسها الشوروية، وأن السماء هي مصدر إلهام وليست مصدر قانون، وأن الناس جميعاً شركاء في نفحاتها، وأنها شمس نور تشرق دون كلل في القلوب التائقة إلى ما فيها من نور وحياة.
ويصرح إقبال مراراً بأنه خاض لجج الشك والحيرة، وأنه عانى ما عانى للوصول إلى شاطئ اليقين، ولكنه يتمسك برؤيته التي نقلها عن هوايتهد بان الكون ليس حقيقة قارّة، إنه جدل متلاطم، وهو العناء الذي يكابده كل باحث عن الحقيقة، وهو معنى خلده في شطرين من الإعجاز
ليس يخفى على القلندر فكر
أنا عندي بكل حالـــــك خبر

*** ساور النشأ ظاهراً أو خفياً
فبهــذا الطريق سرت مليا

وفي هذا الفصل الخاص بفلسفة التجديد الديني عند إقبال فإننا سنعتمد بشكل جوهري كتاب إقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام، وهو الكتاب الذي كتبه إقبال نثراً، وترجم نثراً إلى العربية عن الإنكليزية، ويتخذ كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام طابعاً فلسفياً عميقا، ويمارس فيه إقبال الحفر في العقل المسلم للوقوف على جذور المشكلة التي جعلت المسلمين أمة متخلفة عن ركب الأمم، ويبحث بعمق عن الجذور الفكرية والتأصيلية لمشكلة التخلف الإسلامي.
وفي خطاب الروح نتناول إقبال في عالمه الروحي وهو يرتشف مباشرة في العالم الأعلى رحيق الروح وغامر الإشراق، وينضم إلى قافلة من زملائه الذين اقتحموا باشواقهم وشكواهم وضراعاتهم عجائب العالم الأعلى وأسراره.
ولا يكتفي إقبال بالثناء على تجاربهم الروحية في السماء كما تجلت في طور موسى ونفحات عيسى وغار حراء، بل يستأنف هذه المعارج مع الجنيد وأبي يزيد البسطامي وأبي العلاء المعري وابن عربي وجلال الدين الرومي ولا يستثني الحلاج ونيتشة ودانتي ولينين!! ويعتبر تجاربهم الروحية والعرفانية غنية وعميقة، ويبني على تلك التأملات أروع ما جادت به روحه من أشعار.
لا يطيق هؤلاء العارفون أن تغلق عن إشراقاتهم أبواب السماء فيمضون بأنفسهم في ممارسة الوصال مع الغيب والحديث إلى السماء، ثم يجمعون ما كان من إشراقهم وأذواقهم، في قصائد خضراء معطرة بالندى يراقصها الري والامتلاء فتجري في مسامع الناس بألحان الخلود.
ويصرح إقبال بتفاصيل دقيقة عن معراجه الروحي الرهيب، وتأخذه نرجسية متمردة فيعلن أن صياحه وشكواه قد أثارت صخباً وقلقاً في العالم الأعلى، وأن السماء باتت مشغولة بالرد على تساؤلاته وشكواه، ويشرح بالتفصيل مشهد الصخب الذي انفجر في العالم العلوي، والحيرة التي عصفت بالملأ الأعلى حول سبيل الرد على تساؤلاته الهادرة، وأن رضوان خازن الجنة هو من تولى في النهاية حواره وتسجيل شكواه وتعهد بالإجابة عليها بعد ان يعرضها على محفل السماء.
ويختار إقبال معلمه التاريخي جلال الدين الرومي ليكون وصاله ونجواه وشكواه ورجع صداه، ويبدو مسلّماً بدون تحفظ لكل ما أثاره جلال الدين في رسالته القائمة على إخاء الأديان وكرامة الإنسان، ويسميه الأستاذ، وهو لقب إجلال لم يتوجه به إقبال لمعلم آخر غير جلال الدين.
وقد عرف جلال الدين الرومي في التاريخ الإسلامي بموقفه الواضح في إخاء الأديان وكرامة الإنسان، وهو الامتداد الشرقي لحلقة من خمسة رجال بالغي التأثير في الفكر الإسلامي وهم ابن عربي وابن سبعين والسهروردي الشهيد وعبد القادر الجيلاني، وهم أبرز الرجال الذين صرحوا في التاريخ الإسلامي بدون مواربة أن الإسلام رسالة مصدقة للأديان، وأنها لا تتضمن ضرورة الحرب على الأديان أو التسخيف بها، وأن رسالتها في الأديان هي التصديق لما بين يديها في المشتركات، واحترام الرسل الذين قصهم الله علينا والذين لم يقصصهم علينا، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير.
ولا شك أن عكوفه في محراب جلال الدين موصول بالأثر البالغ الذي حققه جلال الدين في إطار الإخاء الإنساني، ومن جهة أخرى فقد كانت اللغة الفارسية التي كتب بها جلال الدين دون شك هي السبب الأبرز في التزامه بفكر جلال الدين، خاصة أننا نتكلم عن الشعر ومن المستحيل أن ينتقل الشعر من لغة إلى أخرى دون أن يفقد رونقه وأصالته، الأمر الذي جعل صلة إقبال بأعلام الإخاء الإنساني الآخرين من علماء الإسلام أقل تفاعلاً.
وفي حواراته الروحية هذه يقدم للمسلم كثيراً من الحكمة الغائبة التي علمها جلال الدين وأصبحت رائزة رحمة وحب ونور يقبسها السالكون إلى الله على هدى وبصيرة.
وقد اختتمنا الدراسة بحوار طويل بين إقبال وجلال الدين الرومي آثرنا تركه كما هو ببساطته وعمقه، وهو يشرح علاقة أستاذ بتلميذه الذي يتعقب خطاه بعد رحيله بستمائة عام.

الترجمة والنظم:
سنعتمد في هذه الدراسة على الترجمات الكريمة التي قدمها للمكتبة العربية كل من الأساتذة الأجلاء عبد الوهاب عزام وهو أول من عرف العالم العربي بسحر إقبال وروعة شعره، ثم الترجمات التي قدمها محمد حسن الأعظمي وعبد المعين الملوحي، وكلاهما قدم طرفاً بالغ الأهمية من شعر إقبال للمكتبة العربية وارتبط اسم الأعظمي بشكوى وجواب شكوى كما ارتبط اسم الملوحي بجناح جبريل.
ولا بد من الإشارة إلى مترجمين كريمين ارتبط اسمهما بديوان أرمغان حجاز وهما الأستاذ واعظ غلام أوغلي والدكتور نجيب المصري الذي ترجمه ونظمه شعراً، وقد قام الشاعر زهير ظاظا بنظم الديوان اعتماداً على نظم واعظ غلام اوغلي ونشر طرفاً منه على صفحات الوراق وقد اطلعت عليها على الموقع الالكتروني ولكن لم أعثر له على نسخة مطبوعة
ولا شك أن هذه الترجمات لم يكن ليكتب لها هذا القيام والنهوض والتأثير إلا بالجهد الكبير الذي بذله شعراء العربية الماجدون: الصاوي شعلان الذي نظم قصائد عديدة من ديوان إقبال رسالة المشرق وأشهرها قصيدة شكوى وجواب شكوى وهي التي باتت أشهر قصائد إقبال ومنذ السبعينات غنتها السيدة ام كلثوم وصارت على ألسنة الناس رمزاً للعزة الإسلامية والإسهام الحضاري للمسلمين خلال التاريخ.
كما ارتبط اسم زهير ظاظا بديوان جناج جبريل وقد نظمه بصورة أكثر غزارة وتدفقاً في الصور والتشبيهات والاستعارات، ولكنها لم تحظَ بعد بما تستحقه في النشر والتوزيع، وربما كانت بحاجة إلى صوت آخر كأم كلثوم ينشرها في روحانيات الشعب ولا زلت أتمنى على الصديق زهير ظاظا أن ينظم كل شعر إقبال ومثنوي جلال الدين وبذلك فإنه يقدم للمكتبة العربية أروع ما اختزنه التاريخ الإسلامي من حكمة وفلسفة.
كما أنني أقتحمت بنفسي هذا الباب الرهيب من نظم شعر إقبال وأسهمت بما في جعبتي من تناثر الكلمة، وأرجو أنني حققت إقبال في فكره وثورته أو في ألمه وتوقه على الاقل وستجد في الكتاب عدداً من القصائد التي نظمتها من روح إقبال وهي تنشر هنا لأول مرة.
ويجدر القول بان الفضل الأكبر في نقل تراث هذا العلامة يعود لعبد الوهاب عزام، الذي كرس حياته لنشر معارف إقبال وترجمتها، وقد أطهر براعة ظاهرة في نقل الفكرة نثراً، ولكن نظمه للقصائد جاء فقيراً في الصورة ورقص الكلمات، ومع ذلك فيجب القول إن ما رويناه عنه هو من جهة الفكرة أوثق ما ننسبه إلى إقبال.

– دراسة الصادق المهدي عن الكتاب

أخي العزيز الرئيس،
الأخوة والأخوات زملاء وزميلات المؤتمر،
أرجو تقبل تحياتي وسلامي وأمنياتي الطيبة.
أثمن عالياً موضوع هذا المؤتمر، ودعوتي لأساهم في قيمته المضافة المتوقعة لرمزنا متعدد الأوجه: العلامة إقبال.
وسوف أحدثكم عنه تحت ثلاثة عناوين هي: جانب من السيرة الذاتية، وإرثه، وأهمية أعماله لشؤوننا الإسلامية والدولية المعاصرة.
القسم الأول: جانب من سيرته:
لقد أظهر إقبال خلال حياته عدة مواهب، وحصل على عدة مؤهلات، وقام بعدة أنشطة. ومن علامات عظمته أن انجازاته لقيت تقديراً متزايداً بعد وفاته. وكما قال الشاعر العربي:
قد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهو في الناس أموات
وقال شاعر عربي آخر زار قبره، الصاوي شعلان:
عجِبتُ لنجمٍ مُشرِقٍ وهو غائبٌ ومُحتجبُ، مازال يبدو ويظهرُ
ولم أرَ نجماً قطُّ بعد احتجابهِ يزيدُ ضياءً في العيونِ ويُبهرُ
لقد رسمنا في ثقافتنا بحق نماذج من سير صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المآخذ أننا ملنا لاعتبار تاريخهم تاريخاً مقدساً؛ ينبغي أن نؤنسن ذلك التاريخ لنستفيد من مثالهم كبشر. كذلك، ينبغي ألا تتوقف النمذجة في فترة معينة من الزمن، بل تظل مستمرة طوال تاريخ الأمة.
إن سيرة إقبال وزمرته في لائحة الإنجاز، ينبغي أن تشكل لنا ببلوغرافيا للنماذج المرغوبة.
القسم الثاني: إرثه
إنه بالنسبة لباكستان شاعر وطني ومفكر عظيم، وبمثابة إلهام مؤسس.
وبرأيي فإنه بتطلعه لمجتمع فاضل جديد، سعى لإلهام المسلمين في الهند ليساهموا في مولد جديد للهند، شيء أشبه بعصرنة إنجازات السلطان محمود الغزنوي: إمبراطورية مغولية منقحة. لكن الحقائق السياسية بعد وفاته، أدت إلى التقسيم ومن ثم لكل المآسي اللاحقة.
لقد كان شعره محل تقدير كبير للمسلمين في الهند وجميع أنحاء العالم. فهو هنا يعد بمثابة جوتة للثقافة الألمانية، وشكسبير للثقافة الإنجليزية، والفردوسي للثقافة الفارسية وهلم جرا.
ويمكن وصف شعره بأنه كشعر أبي العلاء المعري، فلسفة منظومة.
كان إقبال يعتبر الرومي أستاذه، ويعبر في الكثير من شعره عن مفهوم الرومي بأن جميع المخلوقات تعبد الخالق، ويمكنها أن تشهد وجوده، ونوره، وتجلياته. ليس وحدة الوجود، ولكن وحدة الشهود.
لفهم فلسفة إقبال بشكل صحيح، فمن الضروري تحديد صورة الإنسان في الحقيقة قبل التنزيل وهو أن به قبس من روح الله، وعقل، وحرية اختيار.
إن فكرة إقبال الأكثر ثورية هي أنه بما أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة، ينبغي لها أن تحرر المؤمنين حتى يفعـّـلوا مواهبهم الطبيعية، من عقل، وروحانية وإرادة حرة، كمصادر للمعرفة. لكن التفسيرات التقليدية لسنة النبي صلى الله عليه وسلم جعلتها قيوداً على العقل والإلهام الروحي. قال:
لا تلمني يا صديقي إنني خدمة للعقل أنهيت النبوة
لم أشأ أرضى لكم أوهامكم فخذوا أقدراكم عني بقوة
مجدكم في الأرض لا ترسمه جثث تسكن في جوف المقابر
فخذوا أقداركم وانتبهــــوا واصعدوا انتم على تلك المنابر
إن نهاية النبوة في رأيه، ينبغي أن تشكل للناس مولداً للفكر البرهاني وللإلهام الروحي. وقد مارس إقبال هذه الولاية فعلياً، فسعى لمهمة جريئة جداً تحت عنوان: إعادة بناء الفكر الديني.
كان العالم الإسلامي بأسره قد وقع بحلول القرن التاسع عشر تحت سيطرة الغرب. وعلى الرغم من أن الدول الغربية سادت بتفوق القوة العسكرية، فإن الدول التي غزتها كانت في حالة تحلل ثقافي واجتماعي محزن. وعلى حد تعبير مالك بن نبي، كانت في حالة من القابلية للاستعمار.
كان الأثر الاجتماعي والثقافي للغزاة مذهلاً؛ ومن ثم تفاعلت المجتمعات المغلوبة عبر ثلاثة سيناريوهات: الرفض الكلي للغرب، وعلى النقيض منه القبول الكلي لدرجة الذوبان، وكان رد الفعل الثالث هو محاولة التوفيق.
أما الخيار الثالث فقد دعا إليه بعض العلماء، الذين كانوا على معرفة جيدة بالفكر الإسلامي، ولكن بفهم سطحي للحضارة الغربية، يمثلهم جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا، وآخرون.
صار العلمانيون مهيمنين سياسياً وثقافياً، ما أدى لرد فعل أصولي إسلامي، طغى على تطلعات المدرسة الأفغانية. حتى أن تلميذها، رشيد رضا، اتجه نحو الأصولية.
لكن، كان هناك ذوو المعرفة الجيدة بكلا الثقافتين الإسلامية والغربية. ينتمي إقبال لهذه المدرسة، إلى جانب مفكرين أمثال مالك بن نبي، وعلي شريعتي وغيرهما. وقد بذل هؤلاء الثلاثة جهوداً جادة لإعادة بناء الفكر الديني. وتمثل مساعيهم عهد النهضة الإسلامية.

لقد كان إقبال مؤمناً مخلصاً للعقيدة الإسلامية، ولكنه استنكر أن جعلها التقليديون قيداً على العقل والحرية. لقد أعجب بالكيفية التي انتشر بها الإسلام وهيمن على العالم لمدة سبعة قرون. ورأى كيف استوعب الإسلام المعتدين الدمويين مثل جنكيز خان وهولاكو فصاروا دعاة له. قال:
بغت أمم التتار فأدركتها من الإيمان عاقبة الأماني
وأصبح عابد الأصنام قدما حماة البيت والركن اليماني
ورفض آراء أولئك الذين ضحوا بالهوية لصالح التنمية، محتجاً بأن من يتجاهل ذاتيته سوف يفنى. قال:
كل من أهمل ذاتيــــــته فهو أولى الناس طراً بالفناء
لن يرى في المجهر قوميته كـــــل من قلد عيش الغرباء
ولكنه بقدر ما نادى بأولوية الهوية، رفض الآراء التقليدية التي تجعل الإسلام لا يواكب العالم الحديث.
إن الخطر على الإسلام ليس من الحضارة الغربية التي نمت هي نفسها من جذور الحضارة الإسلامية كما اعترف بيكون، ووات وآخرون. إن الخطر يأتي من فشل الفكر الإسلامي الراكد، والتحلل الاجتماعي.
أرسم هنا الخطوط العريضة لأهم أفكار إقبال:
أ) إن الهبوط من الجنة ليس تغييراً للأماكن، ولكنه تغير في الحالة من الحياة الجبرية للحياة الحرة.
ب) الجبرية تدمر مسعى الإنسان، القدر يعتمد على إرادتنا.
ج) ينبغي أن نترك ثقافة الاعتماد على الماضي لتشكيل المستقبل.
د) لقد شكل العلماء والحكام الطغاة تحالفاً غير مقدس لقمع الشعوب. ينبغي أن يتحرر الناس من هذا الاستبداد.
ه) ينبغي أن يكون العقل الإسلامي شجاعاً بما فيه الكفاية لاختيار مستقبله دون أن يكون أسيراً لقدسية الماضي. ولا يوجد لنظام الخلافة القديم أي مبرر من حقائق الوحي. إن أفضل ما يخدم مبدأ العدالة العزيز في الإسلام هو النظام الجمهوري الديمقراطي. إن تاريخ الخلافة هو تاريخ مُلك مستبد.
و) تطوير قانون الشريعة أمر حتمي. الفقه الإسلامي له أهداف معينة؛ ينبغي تطوير الأحكام بشكل مستمر لخدمة هذه الأهداف عبر تغيرات الزمان والمكان المختلفة.
وذكر أن نصوص الوحي نفسها تتطلب تعاملاً متحركاً فيما يتعلق بالتشريع.
ز) العبادة تجلٍ للتفاني واسع المجال، تقبل كل الساعين لرضا الله، ولله المشرق والمغرب وحيث ما تولي فثمَّ وجه الله. لذلك رفض إدانة الحلاج من قبل التقليديين الذين طالبوا بصلبه. وقال إن لويس ماسينيون كان على حق حول الحلاج. إذ لم يكن موقفه أن يرى نفسه منفصلاً عن الله. وفي هذا الصدد هناك الحديث النبوي: قال الله: “مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ” (رواه البخاري)، وهذه الفكرة أعرب إقبال عنها شعرياً:
“إن يكن غيبك التعظيم عن لحظ العيان
فقد صيرك الوجدان من الأحشاء دان”.
ح) ويكرر مع الرومي دعم كرامة الإنسان، والأخوة بين جميع الأديان. ويؤكد أن الطريق إلى الله يتجاوز الطوائف والعقائد. يضع إقبال هذا شعراً:
إنما العالم طراً معبد كل من أحسن فيه يعبد
كل من في دهره قد أجملا فكرة أو قولة أو عملا
كلهم لله نعم العابد كلهم للخير نعم القاصد
هذه الأفكار تدعم آراء أحمد الفاروقي السرهندي. وهي تختلف عن سياسة السلطان (جلال الدين) أكبر، الذي حاول إقامة عقيدة جديدة للهند عبر خلط الديانات المختلفة.
ط) يعتقد إقبال في الآخرة كجزء من العقيدة الإسلامية. ويعتبر وصفها القرآني مجازاً. بالنسبة له فإن الجنة والنار حالتان لا محلان. الجنة هي أن تنتهي بالقبول الإلهي. والنار أن تخضع للتنقية من الشرور حتى تصير مؤهلاً للقبول الإلهي. ومع أن الأوصاف القرآنية محددة، إلا أنه مذكور أيضاً أن هناك (خلق جديد)، وأن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. وأنه (إلى ربك المنتهى). يقول:
أنت روح الله تسعى نحوه رغبا أو رهباَ أو ولها
أي نار أو نعيم ترتجي؟ وإلى ربك فيه المنتهى
بالنسبة لإقبال، الجنة هي حالة الفوز والرضى. وليس في الإسلام لعنة أبدية. والنار ليست هاوية حفرها إله منتقم، لكنها ظرف لتطهير مرتكبي الشرور ليتأهلوا للحياة الحرة. والجنة ليست عطلة كسولة، ولكنها متعة النعيم الروحي. إنه يردد كلمات الصوفية الشهيرة رابعة العدوية: إن قوماً عبدوك رجاء جنتك فتلك صفقة تجارية، وإن قوماً عبدوك خوف نارك فتلك صفة العبيد وإن قوماً عبدوك لأنك أنت الله .. هؤلاء وحدهم من عرفوك.
ي) دافع إقبال عن رؤية للقدر ترفض الجبرية التقليدية كجزء من العقيدة الإسلامية. وقد اخترع الطغاة هذا الرأي لحماية سلطتهم الاستبدادية. قال به مؤيدو الأمويين والعباسيين، وبكلمات معاوية: “لو لم يرني ربي أهلاً لهذا الأمر ما تركني وإياه”.
قال إقبال إن الناس أحرار في تقرير مصيرهم. وأن الأقدرا تكتب بعد حدوثها. (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُم)، كذلك (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ). وإن وجهة النظر التقليدية الجبرية للقدر تعد خفضاً مزرياً لقيمة الإنسان. في شعره:
“أيها المسلم يا نور السماء كيف لا تشرق في أرض البشر
أنت سلطان الليالي لا كما قالت الحمقى أسيرا للقدر”
ك) رفض الاعتقاد في مخلص منتظر، المهدي، باعتباره اعتقاد يدمر قوة العزيمة. فهو يجعل المؤمنين يتركون واجبهم في الإصلاح ويسلمون أقدراهم للمنقذ المنتظر. ومن الأهمية بالنسبة لي، وجدي صاحب عقيدة مهدوية، أن أعلق على رفض إقبال للمهدية في الإسلام، مدعماً رأيه بمقولة ابن خلدون.
إن رفض ابن خلدون للفكرة أجوف، لأنه جادل بأنها تطيح باستقرار الحكم. بينما الحكومات المعنية كانت مستبدة، وقد ادعت سلطة دينية لدعم استبدادها. إن زعزعة استقرارها أمر كان ينبغي أن يُرتجى.
لكن حجة إقبال برفض المهدية، كاعتقاد ينطوي على انتظار خامل وفقدان لدافع التغيير والإصلاح، سليمة.
لم يصف جدي الكبير مهمته تحت أي من معتقدات المهدية التقليدية. فهناك اعتقاد الشيعة الاثني عشرية، وهم يتوقعون للإمام الثاني عشر الذي اختفى قبل اثني عشر قرناً أن يعود مهدياً. وهناك اعتقاد العديد من أهل السنة أن المهدي سوف يأتي في آخر الزمان. وكلا العقيدتين مؤهلتين لرفض إقبال. لكن جدى لم يؤمن بأي منهما، لقد أعلن مهديته كولاية روحية تعبر عن مهدية وظيفية تتفق والحاجة إلى التغيير، تحديداً:
• أن التقليد الإسلامي السائد كبل الإسلام بعقائد تفسير إنسانية عبرت عنها المذاهب المختلفة. قال إن مذاهبهم ليست ملزمة. وأن النصوص الوحيدة الملزمة هي القرآن والسنة. فالوحي هو الملزم للمسلمين، لا الاجتهادات البشرية.
• في الإسلام هناك ثوابت هي التوحيد، والنبوة، والأركان الخمسة، والاعتقاد بالمعاد، ولكن المسائل الاجتماعية والمعاملات عرضة للتغيير المستمر. وبكلماته: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
• أشار لأن ظروف العالم الإسلامي المعاصر كالحة، ومنبتة عن مبادئ الإسلام، وخاضعة لانقسامات مذهبية حادة، وتعاني من عدة مظالم، ومستضعفة بالاحتلال الأجنبي. ما دعا لحركة جذرية لخلاص العالم الإسلامي من الظلم والانقسامات والسيطرة الأجنبية. مفكرون مسلمون عديدون لا يؤمنون بتعابير المهدية التقليدية دعموا هذا الدور الوظيفي، على سبيل المثال الشيخ أحمد العوام، بل حتى مؤلفي العروة الوثقى.
• قال إنه بحث عن شخص يقود المسلمين لتغيير هذه الحالة المزرية، ولكنه لم يجده. وأثناء كدحه نحو ذلكم الفجر تلقى اتصالاً روحياً من قبل النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأنه المهدي. هذا النوع من التواصل مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم شائع في الإسلام الصوفي.
• وبالتالي فقد عرّف المهدية بشكل وظيفي، وخلّص الإسلام من أغلال عقائد الماضي، وقد تلقى ولاية باتصال روحي هو عملة مقبولة بين المتصوفة، ولكنه وضع قاعدة أساسية كي تتم مقايسة أقواله وأفعاله بنصوص القرآن والسنة.
هذا الشكل من المهدية الوظيفية تدعمه آيات قرآنية عديدة، مثلاً: (إِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ).
لا أعتقد أن موقف إقبال يتعارض مع هذا التعبير الوظيفي عن المهدية.
ل) دافع إقبال عن رسالة الإنسان: إنني هنا في عالمي الذي أبنيه بعرقي وكفاحي، لقد صنعت قدري على هذه الأرض، لم تأت بي إلى هذا المكان حية ماكرة، ولم أسقط بغواية امرأة، ولم تنبذني من جنة عدن خطيئة أعيش إثمها وشؤمها، أنا هنا لأنني أحمل مشروع حياة وإرادة بناء، أنا هنا لأنني أريد أن أخلق عالمي بيدي، ولا أريد أن يصنعه لي خدام السماء.
م) للأسف فإن نهاية النبوة أنتجت تاريخياً عالماً من ركود الفكر، وتجميد الفقه، والملك المستبد. القرآن يتوقع منا أن ندرس قوانين الكون، وأن نستخدم عقولنا، وأن ندرس تاريخ الآخرين كمصدر للمعرفة، وكلها جوانب ترتبط بنهاية النبوة. إن ختم النبوة ينبغي أن يدفعنا لنخلق عالماَ فيه:
– تمكين العقل.
– اعتراف بكرامة الإنسان ومساواته.
– استيعاب لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
– تعدد العقائد الدينية قاعدة مقبولة.
– السنة لا تفرض تكرار الماضي، ولكنها تستخدم نهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المستجدات.
– لكن، بالرغم من أن نهاية النبوة تمكّن لولاية العقل، فإنها لا تنهي الإشراق الروحي. نعم لن يوجد مزيد من الأنبياء، ولكن هناك الولاية، أي الترقي الروحي.
وهنا يكمن نزاع كبير: قال الغزالي إن الإدراك الحسي خادع، وبالتالي فإن العقل قاصر. وأن الإشراق الروحي هو المفضي للحقيقة. ومع ذلك، قال الفيلسوف الأشهر ابن سينا، بعد ثلاثة أيام من لقائه مع الصوفي الشهير – أبي سعيد بن أبو الخير: ما أعرفه، “يراه” وما “يراه” أعرفه. وهذا يعني أن هناك مساران عقلاني وصوفي معاً. ينتمي إقبال لهذه المدرسة.
ن) أخذ إقبال على التقليديين أنهم حولوا السنة لقميص حديد. في القصيدة التي يخاطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أيها الصادق كم من نكبة قد نكبناها بنص مسند
لم تكن تعلم لما قلتها أنها دستورهم للأبد
ولذلك، لا ينبغي تصور إعادة بناء الفكر الديني على أساس الهياكل التقليدية، بل على أسس القوانين الاجتماعية والطبيعية للكون.
والمفكرون المسلمون سبقوا الغربيين في ذلك، فقد تصور ابن مسكويه التطور البيولوجي، ودعا ابن رشد للعقلانية، ورأى ابن خلدون أن جميع جوانب الوجود، طبيعية كانت أو اجتماعية، خاضعة لقوانين متسقة. إنها عبقرية عقول المسلمين التي حررتها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
س) تجلت عبقرية إقبال في تركيزه على ظاهرة الغائية في الكون. وأن التاريخ يتحرك حتماً في اتجاه صاعد. وهذا من شأنه أن يفضي لعالم جديد أعلى.
ع) رفض إقبال الروحانية التي تقبل الأمر الواقع. هناك صلة عضوية بين الوعي الروحي والعدالة الاجتماعية، والدعوة لتحرير الشعوب المضطهدة. يقول في إشارة للرسالة الإسلامية:
هل جاءكم نبأ العقيدة عندما خـــرت لها الأيام للأذقان
ومحت من الدنيا الخوارق بعدما محت الفوارق فطرة الإنسان
ف) يؤيد إقبال كلاً من العقلانية والصوفية؛ ويرى كليهما من مكونات الصفات الإنسانية. وقد خلق فكره في هذا الصدد، وعياً بنّاءً عابراً للثقافات بين العقلانيين المسلمين والغربيين، وبين صوفية المسلمين ومتصوفة الغرب. وهو يرى هنا أنه لا يوجد شيء بشري غريب عليه. وأن قلب الإنسان هو مصدر التنوير. تقول القصيدة:
قلبك الشمس فاقتبس النور منه كل ما ترتجيه نفسك عندك
هذه النزعة الإنسانية موجودة بشكل أكبر لدى الرومي الذي يعتبره إقبال أستاذه. والرومي الذي يعد قائد النهج الصوفي في الشعر الإسلامي رفض احتكار الخلاص، ورفض قبول الحيازة الوحيدة للحقيقة. ودعا لأخوة جميع الأديان من أجل تكريم ودعم الأخوة البشرية. يرى إقبال في هذا الموقف جواز مرور المسلم لنادي الحضارة الإنسانية. فليس هناك مكان في هذا العالم الجديد لمن لا يؤمن بالإنسانية ولمن يرفض الأخوة البشرية. ينبغي أن تزال كل الحواجز لتتآخى الأديان، وتتآزر الأيديولوجيات، ولا يطغى جيل على آخر، ولا يكون هناك مكان لتفوق الذكور على الإناث، ولا يظل من عبد وسيد.
ص) في قصيدة جميلة جداً، يعبر إقبال عن مفهومه للإنسانية الإسلامية:
إنما العالم طراً معبد كل من أحسن فيه يعبد
كل من أدلى بقول طيب ينبت الغيث كغيث صيب
كل من أحسن يوماً عملاً كل من أحيا مواتاً هملا
كل من في أرضه قد زرعا ليغيث العرب والعجم معا
كل من يغرس مخضر الشجر فيه للإنسان ظل وشجر
كل من ينبط بئرا في السبيل تنفع الظمآن من حر الغليل
كل من يبني بناء حسنا كل من في صنعه قد أتقنا
كل من أحدث علما للبشر ينفع الناس ولم يقصد لشر
كل من في دهره قد أجملا فكرة أو قولة أو عملا
كلهم لله نعم العابد كلهم للخير نعم القاصد
ق) أفكار إقبال، وآراؤه حول إعادة بناء الفكر الديني، ودوره كمسلم ملتزم تجرأ بتحدي البناءات التقليدية، وكونه رابطاً بين العقلانية والصوفية، وبين الفكر الإسلامي والفكر الغربي، وبين الثقافة العربية و الثقافات الهندية والفارسية؛ كلها من مظاهر إرثه.
وسوف أشير لتأثير أفكاره على إعادة البناء في القسم الثالث من هذه الورقة، ولكني في نهاية هذا القسم أود أن أشير إلى بعض أفكاره، التي أراها ضلت الطريق:
• أشار بإيجابية لأفكار نيتشة الفلسفية. هذا الفيلسوف كان مفكراً ذكياً جداً أهدر جهوده في حملة إلحادية تجاوزت العقلانية لتعلن موت الله. وبعكس توقعاته، زادت الأصولية الدينية في جميع الأديان. وقد ألهمت تكهناته شكلاً من العقيدة العلمانية الخطيرة: أيديولوجية علمانية ألهمت الاستعلاء ومن ثم النزاعات التي تلت. لقد كانت خيال عقل مريض، وما كان ينبغي لها أن تجد قبولاً لدى مطامح إقبال البناءة.
• أعرب عن إعجابه بمصطفى كمال. هذا السياسي شجعته نجاحاته العسكرية وانحطاط تركيا العثمانية لتبني شكل من أشكال العلمانية اللا دينية. وقد كان لأيدولوجيته وبرنامجه أثر مدمر بوضعه للتنمية في مقابل الهوية. فكان لإصلاحاته رد فعل مضاد في تركيا، ورد فعل متطرف في الاتجاه المعاكس في العالم الإسلامي. إن تطبيق أساليب العسكرية في الأيديولوجيا والسياسة يأتي حتماً بنتائج عكسية.
• يمكن فهم تعاطفه مع الماركسية واللينينية في سياق مظالم الرأسمالية، والقمع في روسيا القيصرية. ولكن بالنسبة لمثقف كإقبال، كان ينبغي أن يرى العيوب الأساسية للماركسية. فكرة أن المادية هي أساس كل العلاقات الاجتماعية، وأن العمل هو العامل الوحيد للإنتاج؛ أخطاء أساسية. إن تطورات الرأسمالية عبر العملية الديمقراطية قد دفعت الرأسمالية نحو دولة الرفاهية، ونمو قوى موازنة في المجتمع الرأسمالي. ويمكن تقدير اللينينية كردة فعل على الاستبداد الإقطاعي الروسي. لكنها وضعت بذور الستالينية. لقد تملكني إحساس بأن إقبال كان من فرط اشمئزازه من الأمر الواقع السائد يرحب بشكل عشوائي بأي تغيير جذري لإحلاله. ولا يمكن عذر مفكر في قامته على ذلك.

القسم الثالث: أهميته للإسلام والعالم
سوف أناقش هنا أهمية إقبال للعالم الإسلامي المعاصر وللنظام الدولي:
1 – صدم إقبال للغاية بالمفارقة بين ماض مجيد وحاضر بائس. وقد عكس في كلمات الشيطان التي تخيلها كم من البؤس المخبوء للعالم الإسلامي، وأن تدميره النهائي سوف يأتي من الداخل.
لقد حاول العديد من المفكرين السعي للمصالحة بين الطوائف الإسلامية، ولهندسة التوفيق بين عالم الإسلام والحضارة الحديثة.
يحتاج عالم الإسلام اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة بناء الفكر الديني لهندسة التوفيق بين الهوية والحداثة، وللتغلب على الاستقطابات الطائفية المقسّمة.
وعلى الصعيد الدولي، فإن عوامل عديدة مثل ثورات المعلومات والاتصالات تدعو للعولمة، بينما يدفع التنوع الثقافي، والمصالح الاقتصادية، والطموحات السياسية، في اتجاه مغاير.
2. هناك عوامل عديدة تعيق الإصلاح. وفيما يلي أهمها:
أ) الثورة الكمالية في تركيا ببرامجها المناهضة للإسلام تجاوزت استبدال العثمانيين إلى استبدال الإسلام، ما شجع على موقف علماني مماثل في مناطق عديدة. اتخذ رد الفعل إسلامي أشكالا عديدة، ما أسفر عن استقطاب أيديولوجي حاد.
ب) كان شاه إيران نسخة كمالية إيرانية مع الفارق. والفرق هو أنه صار واجهة للمصالح الإمبريالية. إيران العميقة الالتزام بالشيعية نظمت ثورة إسلامية معادية للإمبريالية، ما أشعل طموحات الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
ج) المناطق السنية خشيت انتشار الثورة من إيران، واستعدت لمواجهتها. تركز الاستقطاب بين إيران والعراق، ثم بين إيران والمملكة العربية السعودية. وصارت الدولتان آيتين للمواقف الطائفية المتعاكسة.
د) زادت المصالح النفطية وحماية إسرائيل من دوافع التدخل في منطقة الشرق الأوسط. صار هذا التدخل سبباً للقاعدة في أفغانستان وباكستان، ولظهور داعش في العراق وسوريا. وهي تمثل شكلاً جديداً أكثر ضراوة من التطرف والإرهاب.
ه) إذن فالمنطقة الآن مقسمة بسبب:
– الصراعات الإسلامية، العلمانية.
– الصراعات الطائفية.
– الحركات المتطرفة والإرهابية.
– التدخل الأجنبي المباشر لتشكيل مستقبل الإقليم.
وفي توصيف إقبال لنبوءة الشيطان، فإن منطقة الشرق الأوسط الكبير أكثر من أي وقت مضى منقسمة ومنغمسة بشدة في حروب فعلية أو محتملة.
إن إعادة بناء الفكر الديني ضرورية أكثر من أي وقت مضى، ولكن الوضع الحالي يجعلها أكثر من أي وقت مضى مستحيلة. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. لذلك يجب أن ننخرط بجدية في تفريخ أفكار إقبال وزمرته من العاملين لإعادة البناء، لرسم خارطة طريق للنهضة الحتمية.
أقول حتمية لأن البشرية كلها سوف تستفيد منها وليس فقط المسلمين.
أقول ذلك لتسعة أسباب:
(1) القرآن هو كتاب الوحي الوحيد ذو النص المعتمد.
(2) عقيدتنا هي الوحيدة التي تعترف بالبشر لآدميتهم، وتكرمهم.
(3) إنها عقيدة فريدة في قبولها تعدد الأديان والثقافات والمصالح الوطنية.
(4) إنها تعترف بجميع مصادر المعرفة: الوحي والإلهام والعقل والتجربة.
(5) أنها تضع العدالة الاجتماعية في مقام الإيمان بالله.
(6) أنها تعترف بولاية العقل في كل الظواهر الطبيعية.
(7) أن نبيها كامل الإنسانية وسيرته خاضعة للظواهر الطبيعية.
(8) أنها تحدد أساساً عقلانياً للأخلاق.
(9) أنها تتخذ موقفاً إيجابياً إزاء حماية البيئة.
هذه الميزات تجعل الإسلام متسقاً مع تطور المجتمع البشري، ولو قبلت فإنها تعطي مجال التطور الإنساني الجديد هذا جذوراً أخلاقية وروحية.
إن سؤال التوفيق بين عالمي الطبيعة وما ورائها حتمي. والإسلام يعطي الجواب.
أخيراً، لترقد روح إقبال في سلام. وبرغم أنه قد توجد تحفظات على بعض أفكاره، فإن روح أفكاره سوف تبقى، خاصة في الوقت الذي صارت فيه الأجندات السنية والشيعية والعلمانية بما لحق بها من غلو آفة الأمة، غذت التطرف، وأوقدت الإرهاب، وأتاحت سبلاً للتدخل الأجنبي العدائي.
كتاب-اقبال-فيلسوف-التجديد-الاسلامي-pdf رابط مباشر PDF

رابط التحميل