تنزيل حقوق التأليف والاختراع في الشريعة الإسلامية … التكييف الفقهي والقيود والاستثناءات عضو هيئة تدريس في كلية الشريعة بجمعة طرابلسدراسة فقهية معاصرة، مجالها النظر في موضوع يشغل بال كثير من الناس ، ويأخذ حيزا كبيرا من الحوار والتحليل بين الباحثين والمتخصصين في دراسة ما استجد من أمور من الناحية الفقهية والقانونية ، وهو موضوع حقوق التأليف والاختراع ، أو ما يعرف بحقوق الطبع وبراءات الاختراع من الناحية الشرعية ، وهي الحقوق التي يجمعها في اصطلاح القانونيين بالإضافة إلى الاسم التجاري مسمى الحقوق المعنوية .
غير أني من خلال دراستي هذه سأقتصر على حقين فقط من هاته الحقوق دون الثالث منها ، وهما حق المؤلف وحق المخترع ، ولم أدخل الحق التجاري في نطاق هذه الدراسة ، اعتقادا مني بعدما قمت به من اطلاع على المراجع العلمية في هذا الموضوع ، وبعد تدقيق في حقيقته أنه مختلف عنهما تمام الاختلاف ، لكونه لا يشترط فيه عنصر الابتكار و الجدية ، لأن مجرد تسمية محل ما باسم معين يعطي صاحبه الحق في هذا الاسم ، باعتباره حقا تجاريا ، بغض النظر عن كونه ابتكارا للمسمي وإبداعا له أم لا ، ولذلك فإنه لا يصح إدخاله في مسمى حقوق الابتكار ، عكس الحقين السابقين ، فالابتكار والجدية ركن فيهما .
أسباب اختيار الموضوع :
يبدو واضحا للمتأمل في الفقه الإسلامي المعاصر أن موضوع حقوق الطبع وبراءات الاختراع من الناحية الشرعية هو من المواضيع التي لا تزال محفوفة بالغموض الشديد ، من حيث تكييفها الفقهي وبيان أصلها الشرعي وأحكامها التفصيلية ، مما يعكسه بشكل واضح التردد في الحكم عليها بالمشروعية من عدمها ، وذالك ما يظهر من خلال فتاوى بعض أهل العلم بجواز النسخ والتقليد ، وفتاوى البعض الآخر بالحرمة ، واختلاف من أفتى بالحرمة في تكييف هذه الحقوق ، بين من يجعلها حقا طبيعيا أصليا ، أو يجعلها حقا يثبت بالشرط ويسقط بعدمه ، أو يجعلها حقا استثنائيا جائزا على خلاف الأصل استحسانا ، مراعاة للمصلحة المرسلة ، كل هذا يبين مدى غموض هذا الموضوع وأهميته ، بالإضافة إلى شدة الحاجة إلى بيان الحق فيه ، والاستقرار على تكييف واضح له ، يرفع ما فيه من تردد ، لنتمكن من الاستفادة من مضمون هذه الحقوق إن كانت شرعية ، أو لاستئصالها وتجنب ضررها إن حكمنا عليها بعدم الشرعية ، و الحكم بالشرعية وعدمها متوقف على معرفة التكييف الصحيح لها .
وينبغي الإشارة هنا إلى أنني لا أدعي طبعا أنه لم يسبقني أحد إلى التأليف في هذا الموضوع ، أو أنه لا توجد فيه كتب أصلا ، فذلك غير صحيح ، بل إن هناك كتابات أخرى كثيرة اهتمت به ، وكان لها فضل السبق إليه والتنويه به ، إلا أنها لم تكن بالمستوى الكافي من العمق ، ولا بالقدر الكافي من التحليل ، بل الملاحظ على جميع ما سبق من مؤلفات في هذا الموضوع أنها لم تتناول التكييف الفقهي له بدراسة تحليلية متعمقة ومقارنة ، بل إن من ألف فيها ممن يعتقد شرعيتها كالدكتور فتحي الدر يني والدكتور البوطي وغيرهم اكتفى بتكييف واحد لها ، وهو كونها حق ملكية ، مع عدم الدقة في مراعاة ضوابط هذا الحق ، كما أن غالبية من ذهب إلى عدم الشرعية تناولها على أنها كتم للعلم الشرعي ، وبالتالي حكم عليها بالحرمة ، ولا نجد دراسة فقهية مقارنة بين المدرستين، تتناول كلا منهما بالبحث والتحليل والنقد ، لبيان الراجح منهما من الضعيف ، في حين أن بقية التكييفات قد وردت الإشارة لها بشكل صريح أو ضمني ، من خلال مقالات وفتاوى لبعض من كبار العلماء و الفقهاء في العصر الحديث، إلا أنها لم تأخذ حقها من الدراسة في مباحث وفصول مستقلة ، ولذلك فقد كان هدفي من هذا البحث هو أن أقوم بما لم يتم القيام به من قبل في البحوث والدراسات السابقة ، وجمعها والمقارنة بينها في صيغة واحدة ، كخطوة أولى للوصول إلي تكييف صحيح متفق عليه في هذا الموضوع .
حقوق التأليف والاختراع في الشريعة الإسلامية … التكييف الفقهي والقيود والاستثناءات رابط مباشر PDF