تنزيل تحميل كتاب محمد أبو زهرة وتجديد العقل الفقهي PDF مفكر مصري استراتيجي متخصص في قضايا فكرية وثقافية عديدةلا يخلو عصر من العصور من قائم لله بحجة، يدعو الناس إلى الحق، وينير لهم الطريق ويكشف لهم الزيف، ويفند بين أيديهم الباطل، يتقدم الصفوف بلا خوف أو وجل، كأنه نجم يهتدي الناس به، يستشعر أنه واقف على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يبرحها إلا إذا فاضت روحه إلى بارئها.
ويتعجب الناس من صموده أمام الأعاصير الكاسحة وهو شامخ كالطود، صامد لا يلين، ثابت لا يهتز، مقدام لا يتراجع، لا ترهبه سطوة سلطان أو يغريه منصب ومال، موصول الصلة بالله وثيق المعرفة به.. هذا هو شأن الدعاة المصلحين الذين تأبى عليهم نخوتهم حين يرون أمتهم ترسف في أغلال الجهل والضعف إلا أن يمدوا لها يدًا، أو يقدموا إليها نصحًا، أو يهزوها هزا حتى تستيقظ من سباتها وتستفيق من غفلتها، وتعود إلى ما كانت عليه من قوة وعز وجاه.
وفي أوائل القرن الفائت جاء طرح مسألة تطوير قوانين الأسرة على العقل الفقهي مع اتجاه بعض البلاد الإسلامية إلى اعتماد التشريعات الغربية بديلا عن الشريعة التي تقلص حضورها القانوني واقتصر على المجال الأسري، وحتى هذا المجال المحدود لم يعد خالصا للشريعة ونازعته التشريعات الغربية فأُبطلت قوانين الأسرة الشرعية كلية في عدة بلدان وتم المزج بينها وبين القوانين الوضعية في بلدان أخرى.
وقد واجه الفقهاء والمصلحون هذه المحاولات وسعوا إلى تطوير منظومة قانونية إسلامية تراعي مستجدات العصر وثوابت الشريعة، ومن أبرز هؤلاء الشيخ محمد أبو زهرة (1898-1974م) الذي دَرَس تفصيلا قوانين الأسرة في البلدان العربية، وشارك في لجان تقنين الأحوال الشخصية وتقنين مذاهب الفقه الإسلامي، ويظل الشيخ الراحل محمد أبو زهرة، من أبرز المجددين في الفكر الإسلامي وكان أستاذا شجاعا أخلص النصيحة للحاكم وخاض الكثير من المعارك في هذا الاتجاه، وقد جهر بما يقتنع بأنه حق، دون خوف من الناس أو سلطان، وكانت له أفكار حول إصلاح الأزهر وقوانين الأسرة والأحوال الشخصية.
ولم يكن الإمام محمد أبو زهرة من الذين ينشغلون بالتأليف عن متابعة الواقع والدعوة إلى الإصلاح والتغيير، بل قرن الكلمة المكتوبة بالقول المسموع والعلم الغزير بالعمل الواضح، وكان هذا سر قوته وتلهف الناس إلى سماع كلمته؛ فهو العالم الجريء الذي يجهر بالحق ويندد بالباطل ويكشف عوراته غير هياب أو وجل، وكانت صراحته في مواجهة الظالمين واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وقد حورب من أجلها فما تخاذل أو استكان، قاطعته الصحف ووسائل الإعلام الأخرى وآذته بالقول وشهّرت به؛ فما زاده ذلك إلا تمسكًا بالحق وإصرارًا عليه.
وتعود شهرة الشيخ محمد أبو زهرة إلى مواقفه الصلبة في الدفاع عن الشريعة، وعدم محاباة أي طرف على حساب الحق، وكذلك إلى مؤلفاته الجليلة الكثيرة التي توزعت بين السير والفقه، وقد عاش الشيخ أبو زهرة في فترة كثر فيها اللغط، وتشعبت فيها مشارب الناس السياسية ومحاولات كل طرف أن يأخذ من الدين ما يلائم مقاصده السياسية، وظهر فيها دعاة لكل اتجاه، واختلط فيها الحابل بالنابل، وأصبح كل يفتي على هواه، فكان على الشيخ أبو زهرة، وهو العالم العارف بالدين أن يواجه تلك الدعوات بتبين الحق والثبات عليه,
وقد فعل ذلك بعزم ودأب وشجاعة، فانبرى يحاضر حول الشريعة مبيناً لها ومدافعاً عنها، وحورب وضغط عليه، وهدد، وقاطعت وسائل الإعلام محاضراته، وشهّرت به، فما زاده ذلك إلا تمسّكاً بالحق وإصراراً عليه، وكان يتأسى في ذلك بالعالمين الجليلين العز بن عبد السلام وابن تيمية، وكان من أنصار الديمقراطية والانتخاب الحر للرئيس، ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وعندما أرادت الحكومة تمرير مشروع قانون للأحوال الشخصية يتضمن بنوداً تخالف الشريعة الإسلامية مثل: تحديد النسل، وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، عارض الشيخ أبو زهرة مشروع القانون وقرر إقامة مؤتمر شعبي لمناقشة هذا الأمر في سرادق كبير في شارع العزيز بالله، أمام منزله بضاحية الزيتون في القاهرة، وأقام السرادق وهيأ كل الظروف لذلك، لكن الأجل اختطفه في اليوم الذي سبق موعد المؤتمر، وكانت وفاته مساء يوم الجمعة 29 مارس/ آذار 1974، وكان لا يهاب في الحق أحداً.
وحين صدر مشروع القانون 103 لسنة 1961 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له، قال إنه ليس ضد إصلاح الأزهر، وسرد عددا من عهود الإصلاح بداية من الإمام محمد عبده، وأكد أن إصلاح الأزهر لابد أن يكون مشتقا من رسالته، ورأى أن يقوم الأزهر بتثقيف الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم من الفئات.
لم تقتصر المعارك الفقهية بين الشيخ أبوزهرة وأنصار الجمود، أو أنصار السلطان، وإنما كانت هناك معارك بينه وبين علماء المسلمين الأكفاء الآخرين فى معارك فكرية كبيرة، مثل معركته الشهيرة مع الإمام محمود شلتوت، بسبب فتواه التى أجازت التعامل مع البنوك، والإمام السورى الكبير مصطفى الزرقا، بسبب فتواه التى أباح فيها التأمين على الحياة هو وكثير من علماء المسلمين، فضلا عن فتواه بإبطال حد الرجم، والذى قال عنه إنه دخيل على الإسلام، وإن أساسه يهودي، مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة، وكان يرى أن العقل هو الميزان الذى تنضبط به الأحكام على أن يكون الاجتهاد وإعمال العقل لصالح المسلمين، كما نادى بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام العلماء الراسخين، وهو الحق الذى كفله الرسول للمسلمين، والذى يظهر في إقرار الرسول للعديد من المواقف التى استدعت الاجتهاد.
لقد ترك أبو زهرة وراءه ما يقرب من 80 كتابا تشكل فى مجملها مكتبة إسلامية متكاملة ومعاصرة كان من أهمها في نظري كتاب تحت عنوان: “الإعلام بأعلام الإسلام ” ويعد هذا الكتاب مجموعة مقالات له كتبها على مدار 4 سنوات قامت مجلة العربي على تجميع ها ووضعها في كتاب واحد.
ويتناول هذا الكتاب ثمانية من أعلام ائمة الإسلام وأظهر جهودهم في الفقه الإسلامي، هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، وابن حزم، وابن تيمية، ثلاثة من المفسرين، وهم: محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن عمر الزمخشري، والفخر الرازي. كما تناول علماء الكلام ومنهم، الحسن البصري، وواصل بن عطاء، وأبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي، وأبوبكر الباقلاني، وأبو الحسن الماوردي وأئمة الحديث البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود وابن ماجة
وفي مجموعة من المقالات التي نشرها الشيخ محمد أبو زهرة والتي تطرق فيها إلى مجموعة كبيرة من الشخصيات الإسلامية التي أثرت في مجرى التاريخ بعلومها وفنونها، كتب أبو زهرة عن علماء الحديث فاهتم بالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وعرض لأبرز القضايا التي اهتموا بها في شئون علم الحديث.
وكتب عن اهل الفقه فتكلم عن أبي حنيفة النعمان ودوره في نقد الروايات وتمحيصها قبل الأخذ بها، محتفيا بكلمة الفقيه الجليل التي يقول فيها “هم رجال ونحن رجال” مؤكدا دوره في إعمال العقل إلى جانب النقل، واهتم بإبراز دور الفقهاء الذين لم ينالوا حظا كبيرا من الشهرة لأسباب تاريخية مثل ابن حزم الظاهري ودوره في نقد المذهب المالكي والتعقيب على أرائهم الخاطئة كما تكلم عن الامام جعفر الصادق ومذهبه الفقهي والامام زيد ومسنده.
وتقول سيرة الشيخ المجدد أبو زهرة إنه ولد في مدينة صغيرة بالمحلة الكبرى في 29 مارس 1898، والتحق بالكتاب والمدرسة الأولية، وحفظ القرآن والتحق بالجامع الأحمدي في عام 1913، وبعدها بـ3 سنوات التحق بمدرسة القضاء الشرعى، والتي تعد تجسيدا لمشروع محمد عبده في إصلاح الأزهر والتعليم، وبعد أن تخرج فيها، عمل بالمحاماة، ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1927، وعين مدرسا للشريعة واللغة العربية بتجهيزية دار العلوم.
في 1933 قام الشيخ أبو زهرة، بالتدريس في كلية أصول الدين، في نفس الوقت الذى كان يقوم فيه بالتدريس في كلية الحقوق من 1934 حتى سنة 1942 وأحيل إلى المعاش في 1958 بعدما صار رئيسا لقسم الشريعة، وقد شارك في إنشاء معهد الدراسات الإسلامية، وقام بتدريس الشريعة الإسلامية في كلية المعاملات والإدارة بجامعة الأزهر بين عامي 1963 و1964.
أما مؤلفات أبو زهرة الأخرى فهي لا تقل أهمية عن محاضراته ومواجهاته العلمية والفكرية مع خصومه، وقد خصصها لبيان قضايا الفقه والمعاملات الصحيحة في عصره، وقد كتب نحو ثلاثين كتاباً تعد اليوم ثروة كبيرة، عالج فيها جوانب مختلفة في الفقه الإسلامي، وجلّى بقلمه فيها موضوعات دقيقة، فتناول في مؤلفات مستقلة الملكية ونظرية العقد، والوقف وأحكامه، والوصية وقوانينها، والتركات والتزاماتها، والأحوال الشخصية، وتناول سير ثمانية من أئمة الإسلام وأعلامه الكبار مفصلاً في حياتهم، ومبرزاً جهودهم في الفقه الإسلامي في وضوح وجلاء، وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، وابن حزم، وابن تيمية، وقد أفرد لكل واحد منهم كتاباً في محاولة رائدة ترسم حياتهم العلمية، وتبرز أفكارهم واجتهاداتهم الفقهية، وتعرض لآثارهم العلمية وكيف أثرت في مسيرة الفقه الإسلامي، وتنبئ كتبه عن دقة علمية قائمة على التوثيق وحصافة الرأي، ولا غرو فهو فقيه متخصص متمكن من الأصول والفروع.
تحميل كتاب محمد أبو زهرة وتجديد العقل الفقهي PDF رابط مباشر PDF