تنزيل تحميل كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني ط العلمية PDF تحقيق: محمد عبده.
ناشر الكتاب: دار الكتب العلمية.
عدد المجلدات: 1.
سنة نشر الكتاب: 1426 2005.
عدد صفحات الكتاب: 293.
رقم الطبعة: 3.
حالة الفهرسة: غير مفهرس.
يستحق خمسه نجومالنّاسُ حُمرٌ فجَوِّزْ وابرُزْ عليهِمْ وبَرِّزْ /
حتّى إذا نِلتَ منهم ما تشتهيهِ فَفَرْوِزْ
المقامة العلمية
حَدَّثَنا عَيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: كُنْتُ فِي بَعْضِ مَطَارحِ الغُرْبَةِ مُجْتَازَاً، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَقُولُ لآخَرَ: بِمَ أَدْرَكْتَ العِلْمَ؟ وَهُوَ يُجِيبُهُ، قَالَ: طَلَبْتُهُ فَوَجَدْتُهُ بَعِيدَ المَرَامِ، لا يُصْطَادُ بِالسِّهَامِ، وَلا يُقْسَمُ بالأَزْلامِ، وَلا يُرَى في المَنَامِ، وَلا يُضْبَطُ بِالِّلجَامِ، وَلا يُورَثُ عَنِ الأَعْمَامِ، وَلا يُسْتَعَارُ مِنَ الكِرَامِ، فَتَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ بِافْتِرَاشِ المَدَرِ، وَاسْتِنَادِ الحَجَرِ، وَرَدِّ الضَّجَرِ، وَرُكُوبِ الخَطَرِ، وَإِدْمَانِ السَّهَرِ، وِاصْطِحَابِ السَّفَرِ، وَكَثْرةِ النَّظَرِ، وَإِعْمَالِ الفِكَرِ، فَوَجَدْتُهُ شَيْئاً لا يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْغَرْسِ، وَلاَ يُغْرَسُ إِلاَّ بِالنَّفْسِ، وَصَيْداً لاَ يَقَعُ إِلاَّ فِي النَّدْرِ، وَلا يَنْشَبُ إِلاَّ فِي الصَّدْرِ، وَطَائِراً لا يَخْدَعُهُ إِلاَّ قَنَصُ الَّلفْظِ، وَلاَ يَعْلَقُهُ إِلاَّ شَرَكُ الحِفُظِ، فَحَمَلْتُهُ عَلى الرُّوحِ، وَحَبَسْتُهُ عَلى العَينِ. وَأَنْفَقْتُ مِنَ العَيْشِ، وَخَزَنْتُ فِي القَلْبِ، وَحَرَّرْتُ بِالدَّرْسِ، وَاسْتَرَحْتُ مِنَ النَّظَرِ إِلى التَّحْقِيقِ، وِمِنَ التَّحْقِيقِ إِلى التَّعْلِيقِ، وِاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْفِيقِ، فَسَمِعْتُ مِنَ الكَلامِ مَا فَتَقَ السَّمْعَ وَوَصَلَ إِلَى القَلْبِ وَتَغَلْغَلَ فِي الصَّدْرِ، فَقُلْتُ: يَا فَتَى، وَمِنْ أَيْنَ مَطْلَعُ هَذِهِ الشَّمْسِ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ:
إِسْكَـنْـدَرِيَّةُ دَارِي *** لَوْ قَرَّ فِيهَا قَرَارِي
لكِنَّ بِالشَّامِ لَـيْلِـي *** وَبالْعِرَاقِ نَهارِي.
المقامة الجاحظية:
حدثنا عيسى بن هشام قال : أثارتني ورفقة وليمة ، فأجبت إليها للحديث المأثور عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : (لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت ) ، فأفضى بنا السير إلى دار:
تركت والحسن تأخذه :: تنتقي منه وتنتخب
فانتقت منه طرائفه :: واستزدت بعض ما تهب
قد فُرش بساطها ، وبسطت أنماطها ، ومد سماطها ،وقومٍ قد أخذوا الوقت بين آس مخضورٍ ، وورد منضودٍ ، ودنٍ مفصودٍ ، ونايٍ وعود .
فصرنا إليهم ، وصاروا إلينا .
ثم عكفنا على خوانٍ قد مُلئت حياضة ، ونورت رياضة ، واصطفت جِفانة ، واختلفت ألوانة : فمن حالك بإزائه ناصع ، ومن قانٍ تلقاءه فاقع . ومعنا على الطعام رجل تسافر يده على الخوان ، وتَسفِرُ بين الألوان ، وتأخذ وجوه الرغفان ، ووتفقأُ عيون الجفان ، وترعى أرض الجيران ، وتتجول في القصعة ، كالرخ في الرقعة . يزحم باللقمة اللقمة ، ويهزم بالمضغة المضغة ، وهو مع ذلك ، ساكت لا ينبس بحرف ، ونحن في الحديث نجري معه ، حتى وقف بنا على ذكر الجاحظ وخطابته ، ووصف ابن المقفع وذرابته . ووافق أول الحديث آخر الخوان ، وزلنا على ذلك المكان .
فقال الرجل : أين أنتم من الحديث الذي كنتم فيه ؟ فأخذنا في وصف الجاحظ ولَسَنِه ، وحسن سَنَنِه في الفصاحة ، وسُنَنِه ، فيما عرفناه .
فقال : يا قوم لكل عمل رِجال ، ولكل مقام مقال ، ولكل دار سكان ، ولكل زمان جاحظ ، ولو انتَقَتُم ، لَبَطَلَ ما اعتقدتم .
فكل كشر له عن ناب الإنكار ، وأشم بأنف الإكبار ، وضَحِكتُ له لأجلب ما عنده وقلت : أفدنا وزدنا .
فقال : إن الجاحظ في إحدى شقي البلاغة يقطف وفي الآخر يقف ، والبليغ من لم يقصر نظمه عن نثره ، ولم يُزر كلامه بشعره .
فهل ترون للجاحظ شعراً رائعاً ؟
قلنا : لا
قال : فهلموا إلى كلامه ، فهو بعيد الإشارات ، قليل الاستعارات ، قريب العبارات ، مُنقاد لعُريان الكلام يستعمله ، نَفُرٌ من معتاصه يُهمِله ، فهل سمعتم له لفظة مصنوعة ، أو كلمة غير مسموعة ؟
قلنا : لا
قال : فهل تحب أن تسمع من الكلام ما يُخففُ عن منكبيك ، وينم على ما في يديك ؟
فقلت : أي والله !
قال : فأطلق لي خِنصِرِك ، بما يعين على شكرك .
فنلته ردائي .
فقال :
لعمَرُ الذي ألقى عليّ ثيلبه :: لقد حُشيت تلك الثياب به مَجدَا
فتى قَمَرَته المكرمات رداءه :: وما ضربت قِدحاً ولا نصبت نردا
أعد نظراً يا من حباني ثيابه :: ولا تدع الأيام تهدمني هدا
وقل للأولى وإن أسفروا أسفروا ضحى :::: وإن طلعوا في غمة ، طلعوا سعداً
صِلوا رٍحم العليا ، وبلوا لَهَاتها :::: فخير الندى ما سح وابله نقدا
قال عيسى بن هشام : فارتاحت الجماعة إليه ، وانثالت الصلات عليه وقلت : ، لما تآنسنا من أين مطلع هذا البدر ؟
فقال :
إسكندرية داري :: لو قر فيها قراري
لكن ليلى بنجد :: وبالحجاز نهاري

تحميل كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني ط العلمية PDF رابط مباشر PDF

رابط التحميل